نقلا عن مجلة "صباح الخير"
بالتأكيد كان مهما
بالنسبة لي أن أسأل الفنان فتحي عبد الوهاب عن كواليس "جزيرة غمام"
مسلسله الجديد في رمضان 2022، وتجربة البطولة الجماعية مجددا بعد "القاهرة
كابول"، وشخصية الشيخ المتشدد "محارب" التي يجسدها في الأحداث
وظهرت ملامحها بوضوح في الحلقات الثلاثة الأولى. لكنني لم أبدأ من الجزيرة بل من
سؤال يشغلني كلما شاهدت الممثل الموهوب في عمل جديد، درامي أو سينمائي، دور رئيسي
أو ظهور خاص، سؤال بسيط للغاية توقعت أن إجابته ستكون معقدة لكنه حرص أيضا على
تبسيطها. وعندما جلست معه في استراحة تفصل بين تصوير المشاهد الأخيرة من
"جزيرة غمام" وضعت علامة الاستفهام الكبيرة على الطاولة، وطلبت منه أن
يشرح "التكنيك" الذي يستخدمه لقبول أي شخصية، سؤالي بالتحديد هو: ماذا
يحدث في العملية الفاصلة بين وصول الورق وقرار القبول أو الاعتذار؟
من الصعب وصف
العملية الإبداعية التي يستخدمها أي فنان لاختيار أدواره. هكذا رد فتحي عبد الوهاب
على السؤال الأول، مضيفا أن العملية الجمالية أو الفنية في أحيان كثيرة يصعب إخضاعها
لعمليات حسابية علمية، لكن لو أردنا تبسيط الصورة، يمكن أن نستعين بمثال
"العجينة" التي لا يمكن أن تذهب إلى مرحلة الطهي قبل المرور على مرحلة
التخمر.. "هذا ما يحدث معي كلما فكرت في شخصية معروضة عليّ، أفكر في التفاصيل
وأتعايش مع الورق حتى تختمر الشخصية بداخلي، وإذا حدث ذلك أطمئن إلى أنني سأقدم من
خلالها جديدا وأوافق على الفور". يضيف فتحي أن هذا الأمر ينطبق على أي دور
أيا كانت مساحته، فالمهمة واحدة في كل الأحوال، الممثل يكون كالذي يخرج من بيته
ليقيم في بيت شخص آخر. يتعرف عليه من خلال الورق. يحمل على عاتقه أن يفكر بعقله
ويتحرك بإرادته ويستقبل الأحداث بعينه هو، أي الشخصية التي سيجسدها. لهذا يتفادى
أن يصوّر عملين في نفس التوقيت، خصوصا في الأيام الأولى لارتداء قميص الشخصية، حيث
يحتاج الممثل إلى تركيز كامل مع تفاصيلها وأي ثغرة تنتج عن عدم التركيز سيلاحظها
المشاهد، وهو ما يؤثر في النهاية على القبول الجماهيري للعمل، وحكم الناس على
الممثل الذي يؤدي الشخصية.
23 ساعة تصوير
لم نصل الجزيرة
بعد. أتوقف مع فتحي عبد الوهاب عند تكرار ظهوره كضيف شرف في فيلم أو ضيف حلقة في
مسلسل، نتكلم عن فيلم "ثانية واحدة" ومسلسل "البحث عن علا"، فيرد
فتحي بأن مفهوم ضيف الشرف تغير كثيرًا في العقدين الأخيرين. أسترجع معه ظهوره
اللافت في الحلقة الأخيرة من مسلسل "ريا وسكينة"، وكيف أن هذا الظهور غيّر
كثيرًا من مفهوم الضيف العابر إلى الضيف المؤثر الذي يحرك الدراما ويصل بها إلى
نهاية تلبي توقعات الجمهور. يتذكر اليوم جيدا، كان يصوّر بطولة مع سهير البابلي في
"قلب حبيبة"، وكان خالد صالح هو المرشح الأول لشخصية وكيل النيابة
سليمان بيه عزت في "ريا وسكينة"، لكنه لأسباب صحية لم يلب النداء وذهب
فتحي. كان التصوير على الهواء خلال شهر رمضان، دخل البلاتوه في العاشرة مساء وخرج
في التاسعة من مساء اليوم التالي. 23 ساعة من التصوير، نام في منتصفها فجأة وهو
جالس أمام صلاح عبد الله والكاميرا تدور، تركه المخرج جمال عبد الحميد يكمل راحته،
ليستيقظ ناطقا بالجملة التي كانت من المفترض أن يرد بها على "عم صلاح". هذه
الحكاية ليست خارج سياق حوارنا، وإنما تؤكد كيف أن ضيف الشرف تغيّر كثيرا من ظهوره
العابر إلى المؤثر لأن الممثل لم يعد يأتي إلى البلاتوه مجاملة أو سد خانة. فعلها عبد
الوهاب الذي كان ظهوره مفاجئًا لجمهور المسلسل واسع الانتشار في ذلك الوقت، ومن
بعدها بات ظهوره لافتا أيا كانت مساحة الدور. على نفس النهج يقول إن ما جذبه في
"ثانية واحدة" و"البحث عن علا" هو تقديم شخصية جديدة تنال
اهتمام الجمهور، وهو ما يظنه نجح في تنفيذه. أسأله عكسيا، ما الذي يجعل المخرجون
يفكرون فيه في أدوار غير متوقعة، مثل طبيب مصاب بداء النسيان في فيلم كوميدي؟ يرد
فتحي عبد الوهاب بأنها ربما ميزة قدرية لا دخل له بها، تتلخص في قدرته على أداء أي
دور وخصوصا الشخصيات غير المتوقعة، دون أن يشعر متفرج واحد بأن ممثلا آخر كان
سيكون أفضل.. ألا تكون أبداmiss cast هذه نعمة كبيرة.
حكاية الشيخ محارب
نرسو الآن على
شاطئ "جزيرة غمام"، المكان المتخيل الذي تدور على أرضه أحداثا وقعت قبل
100 عام وأكثر. يرى فتحي عبد الوهاب أن تصنيف العمل يحتاج إلى أن يتابع الجمهور
المزيد من الحلقات، فالبعض قد يراه تاريخيا وآخرون قد يعتبرونه فلسفيا وفئة ثالثة
قد تعتبره إسقاطا من الماضي على الحاضر.. "ربما يكون تعدد الأوجه أول الأسباب
التي شجعتني على القبول بجانب رغبتي في تكرار التعاون مع المخرج حسين المنباوي بعد
(لمس أكتاف)، يضاف إلى ذلك بالطبع تفاصيل شخصية الشيخ محارب، الرجل الذي يصدق أنه
ممثل الإله على الأرض، ويريد أن تسير كل الأمور كما يرى هو، شخصية عابرة للأزمان،
تغري أي ممثل بتقديمها، وحرصت على إطلاق لحيتي وعدم الاستعانة بالمكياج تأكيدًا
للتعايش مع محارب، وهو ما يكمل ما تحدثنا فيه قبل قليل حول عدم تقديم شخصيتين في
نفس الوقت، وبالفعل اعتذرت عن أعمال أخرى بسبب (لحية) الشيخ محارب".
العمل مجددا مع
طارق لطفي جعل الجمهور يعتبره امتدادا للنجاح في "القاهرة كابول". يرفض
فتحي عبد الوهاب هذا الاستنتاج، يقول إنه من الصعب تكوين فرقة تمثيل درامية أو
سينمائية عكس المسرح، لكن بالتأكيد وجود طارق لطفي شجعه أيضًا على القبول، ومغامرة
أحمد أمين في تقديم شخصية تراجيدية يراها منطقية، فالممثل الكوميدي قادر على
الأداء الدرامي، عكس التراجيدي الذي قد لا يقبله الجمهور مضحكا. لكن بشكل عام لا
يصنف الممثلون أنفسهم ضمن فرق متماسكة فهذا أمر ضد منطق العمل الفني، حتى وإن كان
الجمهور يحب أن يرى مجموعة من الفنانين مع بعضهم البعض. ويعد فتحي عبد الوهاب
الجمهور بمشاهدة مبارزات تمثيلية مميزة في الحلقات المقبلة من المسلسل.
اللعب مع الكبار
بخصوص مباريات
التمثيل أسأله وأطلب إجابة بلا تواضع، في "جزيرة غمام" مشاهد عدة مع
نجوم كبار كعبد العزيز مخيون ورياض الخولي، هل وصل فتحي عبد الوهاب إلى مستوى من
الحرفية تجعل الوقوف أمام الكبار خاليا من الإضافات؟ يرد الشيخ محارب سريعا بأن
الاستفادة من الكبار تستمر إلى ما لا نهاية، ويخطئ الممثل إذا ظن أنه وصل لمرحلة
تشبع فني وبات ناقلا للخبرة لا مستقبِلا لها، بل يزيد بأنه يستفيد حتى من المواهب
الشابة التي دخلت المجال حديثا، حيث تحمل طاقة مختلفة تضيف لمن يريد أن يحافظ على
مستواه صاعدا طوال الوقت.
العمل التاريخي له
صعوباته بالتأكيد، لكن فتحي عبد الوهاب يرى أن صعوبات أي عمل هي جزء من طبيعته ولا
يفضل التعامل معاها باعتبارها عبء غير موجود في مهن أخرى. رغم ذلك يتوقف أمام
الأجواء شديدة البرودة التي واجهت فريق العمل خلال أسابيع التصوير في منطقة
الزعفرانة، حيث مشاهد الجزيرة صورت في تلك المنطقة التابعة لمحافظة البحر الأحمر.
في نفس الفترة التي كان سكان القاهرة يشتكون من البرد القارس، كان الفنانون هناك
يصورون بعيدًا عن البلاتوهات المغلقة، قبل العودة مرة أخرى لمدينة الإنتاج
الإعلامي حيث المشاهد الداخلية لـ "جزيرة غمام" التي يقودها دينيا الشيخ
محارب، لنرى معه ماذا سيحدث للجزيرة وأهلها وما تمثله من إسقاطات حتى الحلقة
الأخيرة.