نزل إلى السوق مع 120 نسخة دفعة واحدة، وعُرض على أكثر من شاشة في دار العرض نفسها: مع «آسف على الإزعاج»، يكرّس الممثل الكوميدي المصري نجاحه، متفوقاً على عادل إمام وعمر الشريف والبقية
عندما كان أي صحافي يناقش أحمد حلمي بشأن أفلامه الكوميدية في البدايات، منتقداً اعتمادها على المواقف الكوميدية وافتقارها إلى المضمون، كان الممثل الصاعد يردُّ دائماً: «عندما أصل إلى جماهيرية عادل إمام، سأقدم أفلاماً تحمل قضايا». بعدها، قاطع أحمد حلمي الصحافة إلا في ما ندر، ولم يعد مهتماً بالدفاع عن أفلامه. لكنه، في الوقت نفسه، أحسن اختيار أعماله، كان آخرها شريط «آسف على الإزعاج» الذي استقبله جمهور القاهرة ونقادها بحفاوة، وعدّوه الأفضل في الموسم الصيفي، حتى بالمقارنة مع «حسن ومرقص» لعادل إمام وعمر الشريف.حلمي الذي بدأ مشواره السينمائي عام 1999، نجح في عام 2003 في الحصول على البطولة المطلقة من خلال «ميدو مشاكل». آنذاك، أعلن أنه يسعى إلى تحقيق 7 ملايين جنيه (أكثر من مليون و260 ألف دولار)، على الأقل، على شباك التذاكر. فهذا الرقم كان يعدّ الميلاد الحقيقي لأي نجم كوميدي. غير أن الفيلم حصد عشرة ملايين جنيه، وخيبة أمل كبيرة من النقاد. ثم توالت نجاحاته مع «صايع بحر» و«زكي شان»... ومن فيلم إلى آخر، كان يجذب الجمهور بهدوء إلى منطقته الخاصة.في البداية، عدّته الصحافة منافساً لكريم عبد العزيز الذي تزامن عرض أعمالهما، وخصوصاً في مواسم الأضحى. لكن هذا الأخير اتجه صوب أفلام الدراما والأكشن، وترك حلمي يتطلع إلى منافسة «ملك الإيرادات» محمد سعد، و«رائد الجيل» محمد هنيدي. ثم جاءت نقطة التحوّل المفصلية مع فيلم «ظرف طارق» عام 2005. إذ عدّه كثيرون أول شريط كوميدي في السنوات العشر الأخيرة، يتمتع ببناء درامي متماسك، ويخلو من الثغرات التي تعرّضت لها معظم الأفلام الأخرى، وخصوصاً مع سعد وهنيدي.بعدها، دخل حلمي بقوة قائمة الخمسة الأوائل، ثم تقدم سريعاً إلى المركز الأول مع فيلمي «جعلتني مجرماً» و«مطب صناعي». وأصبح الرقم 20 مليون جنيه هو الحد الأدنى لإيرادات أي فيلم يحمل اسم أحمد حلمي.كل هذا يحدث وهو صامت، بعيد تماماً عن الصحافة والأضواء والمناسبات العامة، فيما أفلامه تُصوّر بسرية تامّة، ويفاجئ الجمهور دائماً بانطلاق التصوير وإنجاز الشريط في زمن قياسي، وتقديمه بأفضل صورة. ولكن ماذا عن سر هذا النجاح؟ لقد وضع أحمد حلمي نجاحات عادل إمام وأحمد زكي أمام ناظريه منذ البداية، واستمرّ في العمل والتجهيز لأفلام وسيناريوهات، حتى تلك التي لن تنفذ قريباً.وخير دليل على ذلك فيلم «آسف على الإزعاج» الذي بدأ حلمي تصويره مباشرة بعد تأجيل مشروع آخر مع السيناريست محمد دياب. أي إنه يحمل دائماً أفكاراً وسيناريوهات جاهزة للتنفيذ، بعدما أخذت وقتها من التحضير، وبات قادراً على الانتهاء منها في وقت قياسي.هذا ليس كل شيء، ساعدت جماهيرية أحمد حلمي على جذبه أسماء مهمة للتعاون معه، وخصوصاً في «آسف على الإزعاج» الذي جمع محمود حميدة ومنة شلبي ودلال عبد العزيز مع المخرج خالد مرعي والسيناريست أيمن بهجت قمر.جميع هؤلاء أدركوا أن نجاح حلمي من نجاحهم، وبالتالي عندما تشيد الصحافة بتطور مستوى أيمن بهجت قمر في الكتابة مقارنة بآخر أفلامه عندليب الدقي، ويحتفون بعودة محمود حميدة ودلال عبد العزيز إلى السينما الجديدة، واستمرار تألق منة شلبي... فإن كل هذه الإشادات ستؤدي بالطبع إلى ترسيخ نجاح النجم الأول الذي يحتاج زملاء جيله حالياً إلى مجهود كبير حتى يتمكنوا من اللحاق به.في «آسف على الإزعاج» الذي يبدأ قريباً جولته العربية، يقدّم لنا حلمي شريطاً لا يتمتع بكثرة المشاهد الكوميدية، بل يتميز بفكرة جريئة، قد يخشى الكثيرون تقديمها: البطل هو مهندس طيران عبقري، لكنه يعاني الوحدة ومصاب باضطراب نفسي يصل إلى درجة الفصام. يتخيل أن والده يشاركه مشكلاته وهمومه، وأنه يحب فتاة جميلة. ثم تراه يرسل خطابات إلى رئيس الجمهورية ليساعده على تنفيذ اختراعه الهندسي، ويتلقى تهديدات من مجهولين... وعندما يخضع للعلاج، يرى العالم من حوله مختلفاً.قصة متميزة، نجح المخرج خالد مرعي في تقديمها بصورة جديدة، وإن عابه اللجوء إلى مشاهد منقولة عن أفلام أميركية. كما تميز الممثلون وضيوف الشرف بأداء متقن، من دون أن ننسى المباريات الثنائية بين حلمي من جهة، ومحمود حميدة ثم دلال عبد العزيز ومنة شلبي من جهة أخرى. ويكفي للفيلم أنه أنعش السوق في مصر، حتى إن دور العرض التي تضم شاشات عدة، خصصت أكثر من شاشة للفيلم. وهو ما لم يحدث مع شريط آخر. وقد ساعد على ذلك، طبع 120 نسخة دفعة واحدة، وهو رقم قياسي جديد لحلمي، علماً بأن «حسن ومرقص» طُرح بـ100 نسخة فقط.
محمد عبد الرحمن
جريدة الأخبار اللبنانية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق