محمد عبد الرحمن
عندما أنهي عاطف الطيب فيلمه الثاني سواق الأتوبيس عام 1983 بمشهد ضرب البطل حسن لنشال الأتوبيسات، كان يحذر من كل اللصوص الذين انتشروا في البلاد معتمدين على سياسة انفتاح السداح مداح التي بدأها السادات وأكملها مبارك مع فارق جوهري أن اللصوص الكبار في عهد الأخير كانوا هم أنفسهم من يأتمنهم الشعب على ثروته.
كانت رؤية الطيب أن المصريين يجب ان يتوقفوا عن السلبية ويقاوموا اللصوص مبكراً، لكن لم يستمع أحد إليه حتى تراكمت خطايا النظام وصنع بنفسه الحبل الذي التف حول رقاب كل رموزه.
لكن مشاهدتي للفيلم بعد ثورة 25 يناير حملت لي ملاحظة مختلفة رغم عشرات المرات التي تابعت فيها سواق الأتوبيس كلما عرضته أي قناة طوال السنوات الماضية .
في المرات السابقة كنا نتحسر على الحاج سلطان ونجله حسن وهم عاجزون أمام نذالة أزواج البنات وتاجر المخدرات الذي أراد إنتهاز الفرصة كي يظفر بالفتاة الصغيرة ويدفع ثمنها، بينما كنت نرتاح قليلا كلما ظهرت الشخصيات الإيجابية الذين اختارهم عاطف الطيب من جنود مصر في حرب أكتوبر.
كانت الورشة بالنسبة لهؤلاء في الفيلم مثل مصر كما رآها عاطف الطيب تسقط وتنهار ولا يتقدم من بيدهم الحل لانقاذها إلا إذا حصلوا على الثمن مقدما، بينما أبناءها المخلصين أعينهم بصيرة ويدهم كالعادة قصيرة.
لكن بافتراض أن كل الأبطال الانتهازيين في هذا الفيلم، سواء أم زوجة حسن التي تريد لإبنتها حياة أفضل بعيداً عن الحب، أو البرنس التاجر البورسعيدي الذي حول منزله إلى مخزن، والحاج تابعي تاجر دمياط الكبير، وعوني الذي ورط الورشة مع الضرائب، بافتراض أنهم استمروا في استغلالهم وانتهازيتهم كما قدمها الفيلم عام 1983 حيث كان لايزال مبارك في عامه الثاني وأكملوا معه المشوار، فكيف كان سيكون موقفهم عندما تقوم الثورة.
الإجابة لا تحتاج لتفكير، مبدئيا بالتأكيد كل هؤلاء كانوا سيكونون طوال حكم مبارك أعضاء في الحزب الوطني، ليسوا هم فقط وإنما إبنائهم أيضاً إلا من رحم ربي، فالبرنس مثلا التاجر البورسعيدي أنشأ ولديه على نفس الأخلاق، وترك الشارع يربيهم كما قال لزوجته، ثم أن من يتربي في اكناف من تنكروا للرجل الذي ساعدهم على تكوين ثرواتهم كما فعل الحاج سلطان كيف سيفترضون أن سلوكيات أباءهم نذالة يجب ان يتخلصوا منها لأنها تضر بلداً بأكملها لا جدهم الأكبر فقط .
بإختصار نجح النظام في عهد مبارك ومن قبله في تغيير أخلاق المصريين، بعضهم بالطبع لأنه لولا أن المعظم حافظ على طهارته وأخلاقه ما قامت الثورة، بالتالي نحن في حاجة الآن لإعادة تربية الجيل الجديد الذي نشأ على تلك القيم السلبية وتعامل مع الإنتهازية والنذالة بإعتبارها "العادي من شعب مصر" ، فجاءت الثورة لتكشفهم وتعيدهم لنقطة الصفر لهذا كرهوها بشدة ويقاومونها حتى الآن، وحتى ننجح في هزيمتهم كما هزم ميدان التحرير كبيرهم الذي علمهم الشر، علينا أن نعرفهم جيداً ونحددهم بدقة وهذه المهمة سهلها عاطف الطيب من خلال سواق الأتوبيس وأفلام أخرى قدمها جيله خلال الثمانينات والتسعينيات وقتما كان الفساد لازال في المهد والفلول كانت لاتزال في طور القيادات قبل أن تحولهم الثورة إلى فلول وأذناب يجب قطعها من الجذور حتى لا تواجه مصر مصير ورشة الحاج سلطان.
لمزيد من التواصل مع الكاتب عبر فايس بوك برجاء زيارة الرابط الآتي :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق