محمد عبد الرحمن
خلال الفترة الانتقالية الأولى التي أطاحت الرئيس المصري السابق حسني مبارك (فبراير 2011) احتاج المجلس العسكري الحاكم 50 يوماً لاتخاذ قرار بتغيير رؤساء التحرير الصحف القومية المحسوبين على نظام الرئيس المخلوع. اليوم، مرّ أكثر من 100 يوم على عزل محمد مرسي ولم يتغيّر رؤساء التحرير الذين اختيروا في عهده. خلال المرحلة الانتقالية الأولى، جاء التغيير بعد ضغط شعبي. وقتها قال أحد أعضاء المجلس العسكري محمد العصار إنّهم ينتظرون استقالة رؤساء التحرير المحسوبين على «الحزب الوطني» (المنحل لاحقاً)، لأنّ القانون لا يسمح بإقالتهم قبل انتهاء المدّة القانونية التي نصّ عليها قرار تعيينهم. وكان النظام الحاكم بعد مبارك يلجأ إلى القانون كلّما أراد تبرير تأخّره في تطهير المشهد من فلول الرجل الذي حكم مصر 30 عاماً.
بعد التغييرات التي جرت في نهاية آذار (مارس) 2011، أدرك المتابعون للشأن السياسي والصحافي أنّ لا خلاص للإعلام الحكومي والتلفزيون الرسمي، والصحف القومية التي يُفترض أنّها مملوكة للشعب من دون اكتمال أهداف الثورة. جاءت التغييرات بشخصيات ليس لها أيّ مواقف سياسية، وأراد الموظّفون الحفاظ على الكرسي المتأرجح تحت أمواج المرحلة الانتقالية التي تصعد وتهبط حسب العلاقة بين الثورة والمجلس العسكري وبينهما جماعة الإخوان. ولعل هجوم الصحف الحكومية على حلقة برنامج «البرنامج» الجمعة الماضي، يبرز قدرة تلك الصحف على التلون حسب الأهواء السياسية.
خلال عهد مرسي، اخترع الإخوان المسلمون عبر «مجلس الشورى» المسؤول رسمياً عن الصحف القومية، آلية اعتبرها معظم الصحافيين معيبة لاختيار رؤساء التحرير. لكن هناك من وافق عليها وتقدّم بأوراقه طبقاً للشروط المعلنة، ليقوم المجلس الإخواني باختيار رؤساء تحرير جدد لن يهاجموا نظام الإخوان حتى لو لم ينتموا رسمياً إلى الجماعة. حدث هذا في آب (أغسطس) 2012، لكن هؤلاء ما زالوا جالسين على كراسيهم حتى اليوم. اثنان منهم فقط عزلا نفسيهما بعد سقوط مرسي، هما رئيس مجلس إدارة «الأهرام» ممدوح الولي، ورئيس تحرير «الأهرام المسائي» محمد خراجة، وقد سُدَّت أمامهما سبل البقاء لانتمائهما الصريح إلى الإخوان.
أما باقي رؤساء التحرير، فغيّروا سياستهم التحريريّة قبل أيام من سقوط مرسي بحكم الخبرة في التعامل مع الأنظمة الحاكمة، وبدأوا بدعم دعوات «ثورة 30 يونيو». رئيس تحرير جريدة «الأخبار» الحكومية محمد حسن البنا قدّم استقالته رسمياً في 25 حزيران (يونيو)، بحجّة الاعتراض على تدخّل مكتب «الإرشاد» في وضع سياسة البلاد، والتأثير في السياسة التحريرية للصحف. لكن منذ اليوم الأول لوصول مرسي إلى الحكم، كان مكتب إرشاد الإخوان يتدخّل. لكن البنا لم يتذكّر أن الاستقالة واجبة إلا قبيل سقوط الجماعة. وحتى الآن، ما زال الصحافي رئيساً لتحرير «الأخبار»، لأن استقالته لم تكن سوى مقال نشره في الجريدة، ولم يرسل نصّاً مكتوباً بها لأيّ جهة. صحافيو مؤسسة «الأخبار» يحتجّون يومياً بسبب بقاء البنا وباقي رؤساء التحرير الذين جاء بهم الإخوان، وتتكرّر الاحتجاجات في معظم المؤسسات، باستثناءات نادرة مثل جريدة «الجمهورية» التي عاد جمال عبد الرحيم إلى رئاسة تحريرها أخيراً. كان عبد الرحيم قد عيِّن في المنصب عبر «مجلس الشورى» الإخواني. لكن بعد ثلاثة أشهر فقط، تمت الاطاحة به تعسّفياً بسبب مانشيت هاجم فيها قيادات المجلس العسكري السابق، وحصل على أحكام قضائية بعودته لم تنفَّذ إلا بعد عزل مرسي.
في مطلع أيلول (سبتمبر) الماضي، أعلنت رئاسة الجمهورية عن تشكيل جديد لـ«المجلس الأعلى الصحافة»، الجهة المنوط بها متابعة شؤون الصحف الحكومية في مصر. وقبل يومين، أعلن محمود كبيش أحد أعضاء المجلس، استقالته احتجاجاً على عدم قيام المجلس بواجباته تجاه الصحافة المملوكة للشعب. على الأرض لم يتحرّك المجلس بالفعل، ولم يتمّ الإعلان عن الأسس التي ستقوم عليها التغييرات الصحافية المقبلة، ولا كيفية إنقاذ تلك الصحف من الإفلاس والانهيار المتوقع بعد تخطّي الديون المتراكمة عليها حاجز مليار وربع مليار دولار.
كبيش أستاذ القانون في «جامعة القاهرة» محسوب على نظام مبارك، بالتالي قد يفسّر غضبه من سكون «المجلس الأعلى للصحافة» على أنّه يستعجل الإطاحة برؤساء تحرير عهد مرسي، لاختيار رؤساء تحرير معادين لثورة يناير. بعض رؤساء التحرير الذين كانوا في زمن مبارك، ما زالوا يمنّون النفس بالعودة إلى المنصب.
لكن السؤال الأهمّ الذي لا يزال بلا إجابة: لماذا لا يقدم النظام الحالي الذي يعتبر «ثورة يناير» مرجعيته، على تغيير رؤساء التحرير الحاليين ووضع استراتيجية عاجلة لانقاذ صحف الشعب واستبعاد كل من أسهم في انهيارها؟ هل لأن رؤساء التحرير الحاليين نجحوا في دعم ما جرى في «يونيو»، بالتالي لا مانع من بقائهم طالما تخلّوا عن نظام مرسي؟ أم لأنّ الصحف الحكومية أو القومية لم تعد مؤثرة في الشارع؟ بالتالي لا داعي لشغل البال في انقاذها وسط أزمات متلاحقة يعانيها الشارع المصري.
لم يعد الأخير يهتمّ بمعرفة من يرأس تحرير «الأخبار» و«الأهرام» و«روز اليوسف» و«دار الهلال». مهما كان ما يجري في الكواليس، فالخاسر الأكبر هو الشعب الذي يُفترض أنه يمتلك هذه الصحف التي ينفق عليها من أموال الضرائب، بينما لا يبدو أن معظم العاملين في تلك الجرائد على استعداد للتنازل عن مصالحهم الشخصية من أجل الدفع بها بعيداً عن حافة الانهيار.
يمكنكم متابعة محمد عبدالرحمن عبر تويتر | @MhmdAbdelRahman
نقلا عن جريدة الأخبار اللبنانية