من القدس إلى الفجيرة حيث مهرجان الفنون جاء الممثل الفلسطيني حسام أبو عيشة ليقدم عرضه الجديد " قهوة زعترة" الذي يروي من خلاله سيرة ما حدث في القدس قبل النكبة وصولا بالنكسة مستندا إلى حكايات واقعية عايشها وحكاها والده صالح أبو عيشة العامل في قهوة زعترة التي ظلت أبوابها مفتوحة للمقدسيين بين عامي 1938 وحتى 1979.
جاء أبو عيشة من القدس لا ليروي لنا حكاياته والده قبل وبعد الإحتلال، لكن ليأخذنا جميعا ونحن جالسون في بيت المونودراما في قلب مدينة دبا بإمارة الفجيرة إلى القدس.
جمهور المهرجان الذي سيختتم فعالياته الجمعة المقبل استمتع وأنا من ضمنهم بأكثر من ستين دقيقة من الأداء التمثيلي المسرحي المبهر عبر إمكانات ممثل فذ انتزع ضحكاتهم وآهاتهم في آن واحد.
عكس معظم عروض المونودراما التي تعوض غياب تعددية الممثلين بتقنيات صوتية وبصرية، قدم أبو عيشة عرضه بدون موسيقى أو مؤثرات فنية، وبإكسسورات محدودة، طاولة وكرسي وشيشة "أرجيلة بالفلسطيني" وحقيبة وقطعة قماش استخدمها بمختلف الأشكال.
بالتأكيد رأينا القدس الآف المرات على الشاشة، كلنا يحفظ صورة المسجد الأقصى وقبة الصخرة الشهيرة عن ظهر قلب، لكننا ربما لم نسمع من قلب حكايات من قلب المدينة العتيقة بالطريقة التي سردها ابن حي القطانين والذي لم يغادر أولى القبلتين أبدا لا قبل الإحتلال ولا بعده بل وصف نفسه في الندوة التي أعقبت العرض بأنه الصبي الذي ولد متمتعا بعزة نفس زاد تمسكه بعدها بعد إحتلال يونيو 1967.
روى أبو عيشة حكايات من مروا على القهوة الشهيرة، وكيف كانت القهوة مصدر قلق لممثلي الكيان الصهيوني ويعتبرون اغلاقها صباحا بمثابة دعوة للإضراب، حث كانت القهوة تفتح أبوابها مع شروق الشمس وتغلق عصرا ماعدا في رمضان تفتح بعد المغرب وتغلق قبل الفجر.
نجح الممثل الفذ بأداءه المبهر في أن يصطحب كل من يجلس في القاعة التي امتلئت على أخرها وصفق حضورها عدة مرات خلال العرض، نجح في أن يستضيفهم ولو ذهنيا في شوارع وأزقة القدس، جعلنا نتخيل كيف كانت وعلى ماذا أصبحت وكأنه يصف لنا الطريق إلى هناك، جذب الروح المشتاقة للصلاة في المسجد الأقصى وهو يحكي لنا كيف كان والده يحرص على أداء صلاة العصر هناك بعد أن ينتهي من دوامه اليومي.
معظم عروض المونودراما ينقسم حولها النقاد، لكن العرض الفلسطيني حظى بشبه إجماع رغم أن البعض صنفه بالأقرب للستاند آب كوميدي أو فن الحكي غير أن "قهوة زعترة" تأليف وبطولة حسام أبو عيشة وإخراج كامل الباشا خرج متكاملا إلى حد بعيد وكم كان نبيلا من أبو عيشة الذي جسد في العرض قرابة 21 شخصية أن يقول للنقاد والجمهور "قيموني كفنان وليس كفلسطيني" فهو لا يريد إشادات كونه مواطن عربي يعيش تحت الإحتلال، لكن يريد أن يصنف كفنان أولا يعبر عن قضية عمره وعمر كل الفلسطينين والعرب.
أبو عيشة نال ما تمنى بحق، وشرف أهله في القدس كما وعدهم في منشور كتبه عبر فيس بوك وهو في طريقه للإمارات، تاركا ورائها أرواحا ما تزال تشتاق لشوارعها وترحل عيوننا إليها كل يوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق