محمد عبد الرحمن
في إحدى المواجهات بين منتج فيلم "ريفو" – هشام الشاذلي - وابنة السيناريست المتوفى حديثا – ركين سعد - يؤكد لها أن المهمة ليست بالهينة، وأنه طالما توفى والدها المطلع على القصة منذ البداية، فإنها أمام تحدى تجميع الـpuzzle ، وهذا التحدي الذي واجه المخرجة الشابة مريم حسن فخر الدين، هو نفسه كلمة السر التي نجح مؤلف العمل محمد ناير في إرسالها لكل مشاهد على حدة من أجل تحقيق هذه النتيجة، مستعينا بصياغة إخراجية مميزة ليحيى إسماعيل القادم من سوق الإعلانات، وبفريق وُفّقت الجهة الإنتاجية في اختياره، سواء على مستوى تصميم الملابس "أسماء عمرو"، الديكورات "إسلام حسن"، الموسيقى التصويرية "ساري هاني"، التصوير "محمد عبد الرؤوف"، والإشراف العام على الإنتاج بكل تأكيد "سمر علي".
تكمن كلمة السر إذن في أن ناير جعل كل متفرج شريكا في فك ألغاز الفرقة، ونجح في صياغة دراما تتصاعد بهدوء وبشكل مطرد دون أي تفاوت في الإيقاع، ليجعل المتفرج وكأنه واحدًا من فريق مريم فخر الدين، إلى جوار اليوتيوبر، وصاحب محل الأنتيكات. الكل يبحث عن فك الألغاز، وكلما نجحوا في تجميع عدة قطع من الـpuzzle ، تظهر فراغات جديدة، وتصبح المهمة أكثر تشويقا. يحدث هذا باستخدام أسلوب سرد درامي أعتبره من أفضل ما شاهدت عبر دراما المنصات في السنوات الخمس الأخيرة، حيث تميز على مستويين؛ الأول تعدد مسارات السرد، بين زمن تكوين الفرقة وزمن ما بعد وفاة حسن فخر الدين، دون أن يشعر المتفرج بأي ارتباك، بل بات لظهور عضو جديد من "ريفو" مدخلا لحالة من الارتياح تليها المزيد من الأسئلة، حتى تبقى السؤال الأكبر: أين ذهب شادي وما علاقة والد مريم بالفرقة؟
المستوى الثاني هو تعدد أصوات السرد، وهو ما يؤكد حالة "تجميع الـpuzzle " التي أعطت لهذه التجربة طزاجة وجاذبية يلمسها المتفرج منذ نهاية الحلقة الأولى، لم نسمع كل شيء بصوت الأب الراحل، هناك أيضا حكي ركين عن ما عرفته، وحكي كل فرد في الفرقة عن ما حدث من وجهة نظره، ثم تكون السيناريست الشابة النسيج الذي ستكتب منه الفيلم حتى تنجح في التحدي الأكبر بينها وبين المنتج، قبل أن تكتشف أنها لا تبحث في قصة "ريفو" ولكن في قصة حياتها هي شخصيا.
ما سبق يؤكد أن الأعمال الجماعية التي تقوم على أفكار جديدة وغير محروقة دراميا، تحتاج إلى صيغ سردية حديثة تناسب جمهور المنصات، وهو ما نجح فيه صناع "ريفو" منذ المشهد الأولى حتى النهاية المفتوحة التي تميز هذه النوع من الأعمال، وهي بالمناسبة نهاية لا تلزم الفريق بتقدم جزء ثان، وإنما تفوت على المتفرج حالة الارتياح المزيفة التي أصابته بعد انتهاء تجميع كل الـpuzzle المتاح أمامه، والذي يظن بعده أنه بذلك عرف كل مصائر الشخصيات. غير أن جملة حوارية بسيطة بين سيدة مصابة بألزهايمر "إيفا" ومريم فخر الدين تعيد المتفرج من جديد للنقطة صفر، بالتزامن مع "التيمة الموسيقية" التي تتكرر كلما عادت علامة الاستفهام من جديد أمام أحد الأبطال، والتي برع ساري هاني في صياغتها ويحيى إسماعيل في استغلالها ..الحديث يطول عن الممثلين، أمير عيد ارتدى شخصية تناسبه تماما، تامر هاشم تمتع بخفة ظل وسلاسة في الأداء، عمرو جمال أشاهده للمرة الأولى وهو ممثل مجتهد ولديه الكثير، مينا النجار أحد أبطال فيلم "عشم" عليه أن يزيد من تجاربه كممثل ولا يترك مسافات زمنية كبيرة بعد "ريفو"، سارة عبد الرحمن تواصل انتقاء الأدواء المناسبة لها، سلوى محمد علي وإيفا ومحسن محيي الدين الثلاثي المخضرم أضاف للتجربة كثيرا، حسن أبو الروس تقدم خطوات عبر "ريفو" عليه أن يحافظ عليها بعدم تقديم محتوى أقل قيمة، محمد مولى اجتهد في ألا يمثل نفسه ونجح بالفعل، والتوظيف المميز لحسام حسني، أما ركين سعد فهي ممثلة مخضرمة، لا يمكن أن تقول إن مريم في "ريفو" هي نفسها التي شاهدناها في "مدرسة الروابي للبنات"، فيما الفائز الأكبر من وجهة نظري صدقي صخر الذي أكد رغم حداثة تجربته أنه وجه صالح لتقديم أصعب الأدوار وتحمل بتفوق تبعات محورية الشخصية التي ربطت بين التسعينيات، وما جرى عندما قررت مريم حسن فخر الدين – دون أن تدري - البحث في ماضي أبيها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق