حكومة ومعارضة، مسيحيون ومسلمون، محجّبات وسافرات، أطفال وشيوخ... اجتمعوا في الجنازة ليؤكدوا أن الوحدة الوطنية لا تحتاج إلى أدلّة ... ولا حتَّى إلى أفلام!
ترك يوسف شاهين رسالة أخيرة قبل رحيله: الوحدة الوطنية لا تحتاج إلى دليل ولا حتى إلى أفلام، فقط إلى رموز يستطيعون جمع المصريين على قلب رجل واحد. جنازة جو أمس في القاهرة جمعت المئات داخل كنيسة القيامة: مسيحيون ومسلمون، محجبات وسافرات، أطفال وشيوخ، ممثلون ونقاد وحتى متفرجون، حضروا جميعاً، ليؤكدوا أنّ وداع الكبار لا يختلف، سواء خرج الراحل من مسجد أو من كنيسة. وهذا الدرس علّمه شاهين لتلاميذه، عندما كان يحرص على وداع محبيه في مساجد «عمر مكرم» و«السيدة نفيسة «و«مصطفى محمود»... مشهدٌ يعرفه بالتأكيد مَن يحضر جنازات الفنانين. لكنّ الدور جاء أمس على «الأستاذ» الذي اختلف حوله كثيرون في حياته، وأجمعوا على احترامه عند إعلان وفاته.في الساعات الأولى من صباح أمس، اتجهت جميع الأنظار صوب مكانين: الأول، مستشفى القوات المسلحة في المعادي، المكان الذي قضى فيه جو أيامه الأخيرة. والمكان الثاني هو كنيسة القيامة للروم الكاثوليك في شارع الضاهر في الفجالة، وهي أصبحت أشهر كنيسة مصرية في اليومين الأخيرين. ولأن المستشفى يسير حسب قواعد عسكريّة صارمة، ذهب معظم المحبين والمفجوعين برحيل شاهين إلى الكنيسة التي استعدت باكراً للحدث الجلل. تزامن ذلك مع استعدادات مكثّّفة لرجال الأمن والحكم المحلي: جرى تنظيف الشوارع بعناية وتنظيم المرور وتجهيز الموقع لاستقبال المعزين الذي توافدوا من العاشرة صباحاً، وخصوصاً مع تضارب موعد القداس بين الثانية عشرة والواحدة ظهراً.ظهور الفنانين بدأ باكراً، وبعد ساعة واحدة تحوّل السؤال مِن: «مَن أتى» إلى «مَن لم يأتِ بعد». ذلك أن كثافة الحضور الفني كانت واضحة، كما أن طريقة الجلوس داخل الكنيسة سمحت للكاميرات بالتقاط صور للفنانين بسهولة. وهذا الحضور الفني أعطى للحدث «مذاقاً خاصاً»، لكون معظم الأسماء قدّمت مع شاهين أبرز أدوارها. بالتالي، لم يكن من الصعب تذكّر شخصية «لويزا» في فيلم «الناصر صلاح الدين» فور ظهور نادية لطفي، وشخصية «الخليفة المنصور» في «المصير» بعد حضور محمود حميدة، وفيلمي «الأرض» و«الاختيار» مع وصول عزَّت العلايلي... وعندما فوجئ بعضهم بحضور نجوى إبراهيم، جاء الجواب السريع: أبرز فيلم قدمته في السينما كان «الأرض» مع يوسف شاهين.بدا التأثر واضحاً على هاني سلامة وخالد النبوي، بطلي «المصير». كذلك جاء حضور خالد صالح للجنازة منطقياً، فشاهين نقله إلى مستوى رفيع في آخر أفلامه «هي فوضى». فيما كانت دموع يسرا صادقة بكل تأكيد، وهي التي قدمها شاهين بطلة أولى في «إسكندرية كمان وكمان» وعادت للظهور معه مراراً، وصولاً إلى «إسكندرية نيويورك».أما الحضور الرسمي، فكان ضعيفاً في البداية. وخلص الحاضرون إلى مقاطعة الحكومة لجنازة المخرج الذي هاجمها بشدة وشارك في تظاهرات سياسية وعمره ثمانون عاماً. لكن ظهور وزير الدولة لشؤون مجلس الشعب مفيد شهاب، ووزير البيئة ماجد جورج قلّل من الغضب تجاه الدوائر الرسمية، وخصوصاً مع انتشار معلومة تؤكد أن الوزراء خارج القاهرة بسبب زيارة الرئيس مبارك إلى جنوب أفريقيا، وكان بعض الوزراء الآخرين في زيارات ميدانية في المحافظات صعُب إلغاؤها. وبالتالي، لم يحضر الجنازة وزيرا الثقافة والإعلام.على النقيض تماماً، كان حضور رموز المعارضة واضحاً، وخصوصاً التيار اليساري المتمثل في قيادات التجمع حسين عبد الرازق وفريدة النقاش، ورئيس «حزب الوفد» محمود أباظة، والنائب الصحافي حمدين صباحي، رئيس حزب «الكرامة». وهذا الأخير ظهر ممثلاً في فيلم «الآخر»، مع زميله محمود سعد الذي شارك بدوره في لحظات الوداع. وتُلي في نهاية الجنازة، نعي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحّام.
محمد عبد الرحمن
جريدة الأخبار اللبنانية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق