هي واحدة من الفنانات المصريات القلائل التي تركن فراغاً كبيراً بعد قرار الاعتزال غير المعلن، فرغم أن "نجلاء فتحي" لاتزال مطلوبة في أعمال تلفزيونية وسينمائية، لكنها ومنذ العام 2000 قررت استكمال حياتها بعيداً عن الفن، لكن دون ترك الباب مغلقاً على الدوام، بمعني أنها وصلت لمرحلة شعرت فيها أنها قدمت كل ما تريد، وأن البحث عن عمل مميز ليس بالأمر الهين، بالتالي عندما يتوفر هذا العمل فهي مستعدة للوقوف أمام الكاميرا من جديد، خصوصاً أنها لا تزال تتذكر بألم، مسلسل "زي القمر" الذي صورت منه حلقتين تحت إدارة المخرج محمد خان، ثم توقف التصوير بدون مبرر أو إحترام من الجهة المنتجة لنجوم العمل وقيمتهم الفنية، وهو ما تكرر مع فيلم "بطل من الجنوب" التي غامرت بانتاجه لتقديم قصة بطولية لبنانية، لكنه لم يجد ترحيباً من الجمهور، فشعرت "نجلاء فتحي" الممثلة ذات الجمال الهادئ، أن المناخ لم يعد كما كان عندما بدأت مشوارها الفني قبل أربعين عاما، ففارق كبير بين فن الألفية الثالثة، والفن الذي دخلت بابه من خلال أسم في حجم "عبد الحليم حافظ" الذي اختار لها أسم "نجلاء" ورشحها للعمل في الفن ابتداءاً من عام 1966، بعدما ظهرت كشابة في سن المراهقة عام 1965 في فيلم "الأصدقاء الثلاثة" وكان تغيير أسم الفتاة الصغيرة ضرورياً، لأن أسم الحقيقي هو "فاطمة الزهراء فتحي"، وفي ذلك الوقت كانت الفنانة زهرة العلى من نجمات السينما، وخاف مكتشفوها من الالتباس بين الأسمين، والمفارقة أن "نجلاء فتحي" التي شاركت عبد الحليم حافظ في مطلع السبعينيات بطولة المسلسل الإذاعي "أرجوك لا تفهمني بسرعة" مع عادل إمام، لم تقف أمام العندليب الأسمر في فيلم سينمائي، حيث إتفق معها حليم على البقاء بعيدا عن الأضواء حتى يبدأ تصوير فيلم "أبي فوق الشجرة" لكنها خالفت الاتفاق وشاركت في عدة أفلام شبابية في تلك الفترة، فغضب حليم وأسند الدور لميرفت أمين لتنطلق الأخيرة إلى النجومية بسرعة الصاروخ .
تجاوزت نجلاء الأزمة سريعا، وتصالحت مع عبد الحليم، وبدأ تشق طريقها نحو مكانة مميزة في هوليود الشرق خلال السبعينيات، وتحولت بالتدريج لفتاة أحلام هذا الجيل، وكانت مع ميرفت أمين نموذجاً للممثلات التي يجمعن بين الملامح الغربية والأداء المصري في التمثيل، وبالتدريج بدأت "نجلاء فتحي" تتمرد على نوعية الأدوار التي حوصرت فيها في السنوات الأولى، ونوعت كثيراً في أداءها السينمائي"، ويظهر ذلك بوضوح في فيلم "أحلام هند وكاميليا" التي جسدت فيه شخصية خادمة تتزوج من لص هو "أحمد زكي"، وشهدت تلك الفترة شائعات حول علاقة حب بينهما سرعان ما نفاها كلا الطرفين، كذلك قدمت نجلاء فتحي مع محمد خان مخرج "أحلام هند وكاميليا" فيلم "سوبر ماركت" الي يصنف كأبرز أفلام خان ونجلاء معا، بل ان الأخيرة غامرت وأنتجت الفيلم حتى يخرج للنور، وهو من بطولة عادل إدهم وممدوح عبد العليم، وقدم تحذيراً مبكرا من ثقافة السوبر ماركت الاستهلاكية، وأكدت نجلاء فتحي من خلاله انحيازها للسينما الجادة، كما فعلت بعد عشرين عاما عندما شاركت في إنتاج "بطل من الجنوب"، وعندما قدمت دور زوجة بواب مريضة بالسرطان في فيلم "الجراج"، ومن أبرز أفلامها أيضاً "المجهول" مع سناء جميل وعزت العلايلي، عندما تقوم الأم بمساعدة الإبنة بقتل الأبن من أجل سرقته دون أن تعرفا أن الأبن المنتظر، كذلك فيلم "عفوا أيها القانون" أول أفلام المخرجة إيناس الدغيدي والذي انتقد انحياز القانون للرجل في مواقف الخيانة عكس المرأة، ومن أبرز أفلام نجلاء فتحي أيضا "سعد اليتيم"و" دمي ودموعي وابتساماتي"، و"إسكندرية ليه" مع يوسف شاهين .
وحتى أفلامها التجارية مثل "المراة الحديدية" و" ديسكو ديسكو" لم تجد نجلاء فتحي مبررا للتعجب من تقديمها لتلك الأفلام، كونها حاولت تقديم انماط أخرى لشخصية المرأة بعيداً عن الشكل المستهلك لها في السينما المصرية .
وكما ظلت هادئة طوال الوقت في حياتها الفنية، جاءت حياتها الخاصة على المنوال نفسه، فلم تشهد الكثير من الشائعات عكس معظم نجمات جيلها، وكان الزوج الأول لنجلاء هو المهندس أحمد عبد القدوس نجل الأديب محمد عبد القدوس، لكن الزيجة لم تستمر طويلا، لأنها كانت زيجة سرية اتفقت عليها مع زوجها وعمرها 18 سناً خوفا من رفض الأهل، وسرعان ما انهارت العلاقة، لتتزوج خلال السبعينيات من المهندس سيف الدين أبو النجا، الشقيق الاكبر لخالد أبو النجا، والذي أدى دور مصطفى في الفيلم الشهير "امبراطورية ميم" وأثمر الزواج إبنتها الوحيدة "ياسمين"، لكنه أيضا لم يستمر طويلا، ثم جاءت الزيجة الأكثر استقرار عام 1992 من الإعلامي المعروف حمدي قنديل، والمستمرة حتى الان، وتعترف نجلاء فتحي أن زواجها من قنديل ساهم في الحد من ظهورها تحت الأضواء بسبب كثيرة السفر والترحال لطبيعة عمل زوجها، وهو العمل الذي يثير قلقها في معظم الاوقات بسبب هجومه الحاد على بعض الساسة العرب في برامجه، لكنها – على حد قولها- تتخلص من نوبات القلق سريعا وتركز في مساندة زوجها في معاركه الإعلامية ومتابعة حياة ابنتها ياسمين وحفيدتها الأولى التي جاءت للحياة منذ عدة شهور، رغم الانشغال بالزوج والأبنة والحفيدة لكنها على إستعداد للعودة للفن كما تؤكد عندما تجد العمل المشجع، ودون ذلك ستظل محتفظة بذكريات الأفلام التي تحمل أسم نجلاء فتحي صاحبة الجمال الهادئ .
محمد عبد الرحمن
جريدة الشرق الأوسط اللندنية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق