الاثنين، 13 يناير 2020

متحف القوة الناعمة ... (بمناسبة عيد ميلاد صباح الخير)

محمد عبد الرحمن 


ربما تكون هذه هي  مهمة الكتابة الأصعب بالتأكيد منذ دخولي إلى مبنى مؤسسة روز اليوسف وصعودي إلى طرقات مجلة صباح الخير يونيو 1995، أن أوجز في سطور مهما طالت الدروس التي تعملتها من الصبوحة كما ندلل صباح الخير .


يشهد الله أنني لا أبالغ حيث أقول أن صباح الخير صنعتني، نسجت شخصيتي الصحفية وأسلوبي في الكتابة ودائرة معارفي ومحيط إهتماماتي، البعض كان يشعر أحيانا بالنقص لأنه لم يعمل في صحيفة يومية فلم يذق طعم نشر الخبر بعد ساعات من حدوثه، لم يتابع الفرق بين الطبعات الأولى والثانية وأحيانا الثالثة لنفس العدد، لم يحظى بالتوزيع الأكبر باعتبار اليومي كان "يبيع" أكبر من "الأسبوعي" غير أن مدرسة الأسبوعي لا يعرف قيمتها إلا من تربى فيها وترعرع بين جدرانها .

في مدرسة صباح الخير، تعلمنا كيف نصل للفكرة التي يمكن أن تعيش ليس حتى وقت نشر الموضوع كما يحدث في اليومي ولكنها تعيش ولو مرت عدة سنوات بل وعقود ويمكن أن يعود لها من يقرأ في الأرشيف ويشعر أن هناك ما فاته ويجب أن يحصل عليه .

تعلمنا كذلك كيف نكتب، كيف نصيغ، كيف يكون لكل منا أسلوب مستقل، فمدرسة صباح الخير لم تعرف محرر الديسك الذي للأسف يعتمد عليه الكثير من محرري هذه الأيام، يبعث لكم أحدهم موضوعا ملئ بالأخطاء الأسلوبية والإملائية وعندما تمتعض بذوق يمتعض هو بمنتهى قلة الذوق ويقول لك " هو مش في حد بيراجع ورايا"، يسلام علينا، عاوزينه يكتب وكمان يراجع ورا نفسه، هذا النوع من المحررين لم يكن يتخطى السلمة الأولى في مبنى روز اليوسف المطل على شارع القصر العيني، لأن لا أحد كان مستعدا لاعادة الصياغة ولا حتى تهذيب المضمون، حتى يقبولك من الأساس طالبا في مدرسة صباح الخير يجب أن تكون متمكنا في الكتابة ثم يأتي بعد ذلك ما يحتاجه الصحفي لتكوين شخصيته.


سيقول أحدهم، كل المجلات الأسبوعية الكبرى كذلك، وفيها من يمتلك موهبة التفكير وبراعة الصياغة، غير أنك في الصبوحة تعمل وتجلس وتتفاعل فيما يمكن أن أطلق عليه "متحف القوة الناعمة"، فأنت تسير في طرقات سبقك إليها أحمد بهاء الدين وفتحي غانم وصلاح جاهين ومحمود السعدني ولويس جريس وغيرهم الكثير لا يمكن الحصر، حولك رسامون وفنانون من كل المدراس الفنية، تكتب وانت تتخيل ماذا سيضيف زميلك الرسام للموضوع، تفرح بعد النشر لأن الرسم عادة ما يكون سببا في نجاح المنشور، تسمع عن نجوم كبار جاءوا إلى مقر الصبوحة في الستينات لينطلقوا في عالم الفن من المكان الذي كان قادرا على صناعتهم، يحكي لك من عاصروهم كيف كان عبد الحليم حافظ وسعاد حسني وغيرهم شبه مقيمين في المجلة، فتتمنى لو أن عجلة الزمن ليست خيالا وأن تعود لتعيش نفس الأجواء.

شخصيا لازالت أشعر بحسرة تلك اللحظة التي وصلت فيها للمجلة وقيل لي أن "أحمد زكي لسة نازل كان جاي يعمل دعاية لفيلم أيام السادات"، شخصيا أود أن أقول لكل من يظنني صحفي مختص في المحتوى الإلكتروني أنني لم أبدأ بعد ظهور الإنترنت في مصر، بل أنا ابن هذه المجلة التي علمني ورقها "الأصفر الدشت" كيف أرتب أفكاري، كيف أكتب الموضوع مرات حتى أرضى عنه، كيف أدقق في كل عنوان سواء كان رئيسيا أو فرعيا، حتى أمتلك ما يعتبره البعض الآن براعة في صياغة عناوين المحتوى الإلكتروني .

إلى صباح الخير، إلى السيدة روز اليوسف التي وثقت في أحمد بهاء الدين وكلفته باصدارها، إلى كل من كتب حرفا في تاريخ هذه المطبوعة، كل عام وكلنا بخير ونرجو أن نظل دائما على قدر المسئولية، مسئولية  رعاية القلوب الشابة والعقول المتحررة .

- نقلا عن مجلة صباح الخير عدد 3340 الصادر في 13 يناير 2020 

ليست هناك تعليقات: