السبت، 29 أكتوبر 2022

أقوال أعجبتني

 

إن عقل المرأة إذا ذبل ومات .. فقد ذبل عقل الأمة ومات 

توفيق الحكيم 

------  

الكتابة فعل من أفعال الحب تجاه الآخر 

إمبرتو إيكو 

------- 

غياب النقد يعني غياب الإبداع، فإذا غاب النقد وغاب الإبداع فما الذي يتبق من الثقافة 

أحمد عبد المعطي حجازي

---- 

إن كل رجل عجوز هو الملك لير

جوتة 

----- 

العود الأبدي - نيتشة 

المعرفة المزيفة - بول ريكور

---- 

الألفة سلاح القبح 

أحمد شافعي

---- 

الذي يحب لا يعرف الملل

لويس عوض

----- 

أكثر ما يميز الفرد عن الأخر هو تاريخه 

ميشيل فوكو

---- 

السينما حكاية تجري في نهر من الزمن 

إذا ما عرض الفيلم مات السيناريو

ثناء هاشم 

----- 

كل الحقائق كانت أحلام 

عبد الرحيم الزرقاني "حكاية حب" 

-----  

إذا لم تكن لديك القدرة على إصلاح العالم، لا تشارك في إفساده


محمد عبد الرحمن 

------ 

الحياة في جوهرها "صراع إرادات" 

فيلم أمريكي 

------  

إذا أراد الإنسان أن يُعرف، وجب عليه أن يكشف ببساطة عن شخصيته، وإذا صمت أو مات، مات وحده، وكتب على كل من حوله الشقاء، وإذا قال الحق، مات بلا شك، لكن بعد أن يكون قد ساعد نفسه والآخرين على الحياة" .

قمة كل مأساة تكمن في صمم البطل 

ألبير كامو 

----- 

الشغف يأتي بعد أن تبذل جهدا كبيرا لتصبح ممتاز في شئ ثمين وليس بعد ذلك 

إذا لم تنتج فلن تزدهر، بغض النظر عن مدى مهارتك أو موهبتك 

كال نيوبورت 

-----  


الأربعاء، 20 يوليو 2022

ريفو ..دراما تجميع البازل

 

محمد عبد الرحمن 

في إحدى المواجهات بين منتج فيلم "ريفو" – هشام الشاذلي - وابنة السيناريست المتوفى حديثا – ركين سعد - يؤكد لها أن المهمة ليست بالهينة، وأنه طالما توفى والدها المطلع على القصة منذ البداية، فإنها أمام تحدى تجميع الـpuzzle ، وهذا التحدي الذي واجه المخرجة الشابة مريم حسن فخر الدين، هو نفسه كلمة السر التي نجح مؤلف العمل محمد ناير في إرسالها لكل مشاهد على حدة من أجل تحقيق هذه النتيجة، مستعينا بصياغة إخراجية مميزة ليحيى إسماعيل القادم من سوق الإعلانات، وبفريق وُفّقت الجهة الإنتاجية في اختياره، سواء على مستوى تصميم الملابس "أسماء عمرو"، الديكورات "إسلام حسن"، الموسيقى التصويرية "ساري هاني"، التصوير "محمد عبد الرؤوف"، والإشراف العام على الإنتاج بكل تأكيد "سمر علي".

 


تكمن كلمة السر إذن في أن ناير جعل كل متفرج شريكا في فك ألغاز الفرقة، ونجح في صياغة دراما تتصاعد بهدوء وبشكل مطرد دون أي تفاوت في الإيقاع، ليجعل المتفرج وكأنه واحدًا من فريق مريم فخر الدين، إلى جوار اليوتيوبر، وصاحب محل الأنتيكات. الكل يبحث عن فك الألغاز، وكلما نجحوا في تجميع عدة قطع من الـpuzzle ، تظهر فراغات جديدة، وتصبح المهمة أكثر تشويقا. يحدث هذا باستخدام أسلوب سرد درامي أعتبره من أفضل ما شاهدت عبر دراما المنصات في السنوات الخمس الأخيرة، حيث تميز على مستويين؛ الأول تعدد مسارات السرد، بين زمن تكوين الفرقة وزمن ما بعد وفاة حسن فخر الدين، دون أن يشعر المتفرج بأي ارتباك، بل بات لظهور عضو جديد من "ريفو" مدخلا لحالة من الارتياح تليها المزيد من الأسئلة، حتى تبقى السؤال الأكبر: أين ذهب شادي وما علاقة والد مريم بالفرقة؟

 

المستوى الثاني هو تعدد أصوات السرد، وهو ما يؤكد حالة "تجميع الـpuzzle " التي أعطت لهذه التجربة طزاجة وجاذبية يلمسها المتفرج منذ نهاية الحلقة الأولى، لم نسمع كل شيء بصوت الأب الراحل، هناك أيضا حكي ركين عن ما عرفته، وحكي كل فرد في الفرقة عن ما حدث من وجهة نظره، ثم تكون السيناريست الشابة النسيج الذي ستكتب منه الفيلم حتى تنجح في التحدي الأكبر بينها وبين المنتج، قبل أن تكتشف أنها لا تبحث في قصة "ريفو" ولكن في قصة حياتها هي شخصيا.

 

ما سبق يؤكد أن الأعمال الجماعية التي تقوم على أفكار جديدة وغير محروقة دراميا، تحتاج إلى صيغ سردية حديثة تناسب جمهور المنصات، وهو ما نجح فيه صناع "ريفو" منذ المشهد الأولى حتى النهاية المفتوحة التي تميز هذه النوع من الأعمال، وهي بالمناسبة نهاية لا تلزم الفريق بتقدم جزء ثان، وإنما تفوت على المتفرج حالة الارتياح المزيفة التي أصابته بعد انتهاء تجميع كل الـpuzzle المتاح أمامه، والذي يظن بعده أنه بذلك عرف كل مصائر الشخصيات. غير أن جملة حوارية بسيطة بين سيدة مصابة بألزهايمر "إيفا" ومريم فخر الدين تعيد المتفرج من جديد للنقطة صفر، بالتزامن مع "التيمة الموسيقية" التي تتكرر كلما عادت علامة الاستفهام من جديد أمام أحد الأبطال، والتي برع ساري هاني في صياغتها ويحيى إسماعيل في استغلالها .
.
الحديث يطول عن الممثلين، أمير عيد ارتدى شخصية تناسبه تماما، تامر هاشم تمتع بخفة ظل وسلاسة في الأداء، عمرو جمال أشاهده للمرة الأولى وهو ممثل مجتهد ولديه الكثير، مينا النجار أحد أبطال فيلم "عشم" عليه أن يزيد من تجاربه كممثل ولا يترك مسافات زمنية كبيرة بعد "ريفو"، سارة عبد الرحمن تواصل انتقاء الأدواء المناسبة لها، سلوى محمد علي وإيفا ومحسن محيي الدين الثلاثي المخضرم أضاف للتجربة كثيرا، حسن أبو الروس تقدم خطوات عبر "ريفو" عليه أن يحافظ عليها بعدم تقديم محتوى أقل قيمة، محمد مولى اجتهد في ألا يمثل نفسه ونجح بالفعل، والتوظيف المميز لحسام حسني، أما ركين سعد فهي ممثلة مخضرمة، لا يمكن أن تقول إن مريم في "ريفو" هي نفسها التي شاهدناها في "مدرسة الروابي للبنات"، فيما الفائز الأكبر من وجهة نظري صدقي صخر الذي أكد رغم حداثة تجربته أنه وجه صالح لتقديم أصعب الأدوار وتحمل بتفوق تبعات محورية الشخصية التي ربطت بين التسعينيات، وما جرى عندما قررت مريم حسن فخر الدين – دون أن تدري - البحث في ماضي أبيها.


 

الأحد، 17 يوليو 2022

كاليجولا يبحث عن مسرح !

 استراحة مشاهد .. محمد عبد الرحمن 

يبدأ العرض المسرحي "كاليجولا" من مشهد عودة الأمبراطور الروماني الأشهر في التاريخ إلى القصر وقد قرر الحصول على القمر، طلب مستحيل بالقطع لكن جنون وغطرسة وغباء هذا الإمبراطور لم تمنعه طوال 4 سنوات من قهر سكان روما والسعي نحو اللا معقول، لكن اللامعقول يتكرر الآن على المسرح العائم بالمنيل، حيث تعرض فرقة مسرح الشباب "كاليجولا" باللغة العربية الفصحي على خشبة لا تناسب طبيعة العرض ولا حجم الجهد المبذول فيه .


لا شك أن المخرج سامح بسيوني مدير الفرقة، وإدارة المسرح وفرت ما تملكه من إمكانات من أجل خروج العرض للنور، لكن سؤالا أثق أن د.إيناس عبد الدايم  ستطرحه على نفسها لو شاهدت العرض دون أن تنتظر هذا المقال، كيف يقدم البيت الفني للمسرح عرضا يتمتع بتلك المكانة في قائمة مسرحيات القرن العشرين، ويحمل اسم ألبير كامو، ولا يجد طريقه منذ البداية للمسرح القومي المختص بالأساس لهذه النوعية من العروض، وإن كان مشغولا بعروض أخرى منذ بداية العام قد تأت فرصة لاحقة لتقييم مستواها تحت الإدارة الحالية، فإن مسرح الجمهورية الذي شهد عرض الملك لير في نسخته الأولى سيرحب بكاليجولا وتفاصيله المتعلقة بالديكور والإضاءة والصوت الذي يعاني من التشويش  بسبب عدم جهوزية المسرح العائم لأسباب فنية يعرفها جيدا القائمون عليه .



حتى يشاهد من بيده الأمر "كاليجولا" ، فالإشادة واجبة بفريق العمل ككل لامتلاكهم شجاعة تقديم عرض كلاسيكي باللغة العربية الفصحى ، خصوصا وأن أبرز عناصر العرض من الشباب المحسوب على الأعمال التجارية وتحديدا الكوميدية ، والبداية كانت مع معد ومخرج العرض محمد عز الدين، الذي عرفناها مؤلفا لمجموعة كبيرة من الأعمال الكوميدية ابرزها سلسلة "الكبير قوي" لكنها احترم بشدة نص ألبير كامو وترجمة رمسيس يونان وقدم "كاليجولا" سابحا عكس تيار يفضل الأعمال الكوميدية الجماعية حتى على خشبة مسرح الدولة ليحتضن المسرح المستقل فقط العروض المغايرة، وهو ما يؤكد أن إرادة الفنان أساسية في تحقيق أفكاره، والاستسلام للسائد لا ينتج أعمالا تعيش ، ويؤكد ذلك إجابة على سؤال مطروح على طاولة مسرح الدولة، هل عروض مثل "هاملت بالمقلوب" و" كاليجولا" جاءت ضمن استراتيجية معدة مسبقا للانتاج الرسمي للمسرح في مصر، أم تقدم بها صناعها وتحملوا كل العقبات حتى تخرج العروض للنور بأقل قدر من الدعاية والتفاصيل الانتاجية اللازمة؟

 (بالمناسبة حتى عرض هاملت بالمقلوب يحتاج إلى اعادة نظر بسبب طبيعة خشبة المسرح ولنقل هنا إن وزارة الثقافة تحتاج إلى مراجعة إمكانات كل المسارح التابعة لها المفتوح منها والمغلق لأجل غير مسمى) .


أعود إلى عز الدين و"كاليجولا" وأختلف معه في افتقاد العرض للخروج عن النص، بالتأكيد هو حر في قراره الالتزام الكامل بما كتبه كامو، لكن جمهور 2022 يحتاج أحيانا إلى التخفيف من حدة الحوار بالفصحى وأن يلاحظ اسقاطات تناسب حياته اليومية حتى لا يتعامل مع العرض وكأنه فقط مشاهدة لنص شهير بعيدا عن الزمن الحاضر،فيما نقطة الاتفاق الأكبر في تكوينه لفريق من الممثلين على رأسهم محمد علي رزق  الذي دخل بتجسيده لشخصية كاليجولا قائمة الممثلين الكبار الذين تصدوا بشجاعة لشخصيات مسرحية صعبة، وأتمنى أن يكرر التجربة كل فترة لأن سيرته الفنية تستحق أن تتملأ بتلك التجارب، ومعه كتفا إلى كتف محمد أوتاكا في شخصية "شيريا"  والذي فاجئني بالتزامه التام بالنص بدون "إيفيهات" معبرا عن قدرات تمثيلية قد لا تمنحه الأدوار الكوميدية الفرصة الكاملة لاظهارها على شاشة التلفزيون، لبني طارق في شخصية "  سيزونيا  " قدمت أداء طيبا للغاية، وسعدت بالتعرف على ممثل متميز هو  محمد العربي في شخصية  "هيليكون " والممثل الصاعد خالد الشامي "سييبون" ونهاد نزيه "رئيس الديوان" الذي شاهدته من قبل في "حملة فريزر"، بالإضافة إلى شريف نبيل "ميريا" وأحمد لطفي "ليبيدوس" ومصطفى صديق "ميسيوس"، وأخيرا محمد حسن " الشريف العجوز" أو عزيزتي كما كان يناديه كاليجولا. 




الاثنين، 27 يونيو 2022

فتحي عبد الوهاب: "الشيخ محارب" ممثل الإله في "جزيرة غمام".. وحل الشفرة في الحلقات الأخيرة

 



نقلا عن مجلة "صباح الخير"


بالتأكيد كان مهما بالنسبة لي أن أسأل الفنان فتحي عبد الوهاب عن كواليس "جزيرة غمام" مسلسله الجديد في رمضان 2022، وتجربة البطولة الجماعية مجددا بعد "القاهرة كابول"، وشخصية الشيخ المتشدد "محارب" التي يجسدها في الأحداث وظهرت ملامحها بوضوح في الحلقات الثلاثة الأولى. لكنني لم أبدأ من الجزيرة بل من سؤال يشغلني كلما شاهدت الممثل الموهوب في عمل جديد، درامي أو سينمائي، دور رئيسي أو ظهور خاص، سؤال بسيط للغاية توقعت أن إجابته ستكون معقدة لكنه حرص أيضا على تبسيطها. وعندما جلست معه في استراحة تفصل بين تصوير المشاهد الأخيرة من "جزيرة غمام" وضعت علامة الاستفهام الكبيرة على الطاولة، وطلبت منه أن يشرح "التكنيك" الذي يستخدمه لقبول أي شخصية، سؤالي بالتحديد هو: ماذا يحدث في العملية الفاصلة بين وصول الورق وقرار القبول أو الاعتذار؟

 

من الصعب وصف العملية الإبداعية التي يستخدمها أي فنان لاختيار أدواره. هكذا رد فتحي عبد الوهاب على السؤال الأول، مضيفا أن العملية الجمالية أو الفنية في أحيان كثيرة يصعب إخضاعها لعمليات حسابية علمية، لكن لو أردنا تبسيط الصورة، يمكن أن نستعين بمثال "العجينة" التي لا يمكن أن تذهب إلى مرحلة الطهي قبل المرور على مرحلة التخمر.. "هذا ما يحدث معي كلما فكرت في شخصية معروضة عليّ، أفكر في التفاصيل وأتعايش مع الورق حتى تختمر الشخصية بداخلي، وإذا حدث ذلك أطمئن إلى أنني سأقدم من خلالها جديدا وأوافق على الفور". يضيف فتحي أن هذا الأمر ينطبق على أي دور أيا كانت مساحته، فالمهمة واحدة في كل الأحوال، الممثل يكون كالذي يخرج من بيته ليقيم في بيت شخص آخر. يتعرف عليه من خلال الورق. يحمل على عاتقه أن يفكر بعقله ويتحرك بإرادته ويستقبل الأحداث بعينه هو، أي الشخصية التي سيجسدها. لهذا يتفادى أن يصوّر عملين في نفس التوقيت، خصوصا في الأيام الأولى لارتداء قميص الشخصية، حيث يحتاج الممثل إلى تركيز كامل مع تفاصيلها وأي ثغرة تنتج عن عدم التركيز سيلاحظها المشاهد، وهو ما يؤثر في النهاية على القبول الجماهيري للعمل، وحكم الناس على الممثل الذي يؤدي الشخصية.

 

23 ساعة تصوير

لم نصل الجزيرة بعد. أتوقف مع فتحي عبد الوهاب عند تكرار ظهوره كضيف شرف في فيلم أو ضيف حلقة في مسلسل، نتكلم عن فيلم "ثانية واحدة" ومسلسل "البحث عن علا"، فيرد فتحي بأن مفهوم ضيف الشرف تغير كثيرًا في العقدين الأخيرين. أسترجع معه ظهوره اللافت في الحلقة الأخيرة من مسلسل "ريا وسكينة"، وكيف أن هذا الظهور غيّر كثيرًا من مفهوم الضيف العابر إلى الضيف المؤثر الذي يحرك الدراما ويصل بها إلى نهاية تلبي توقعات الجمهور. يتذكر اليوم جيدا، كان يصوّر بطولة مع سهير البابلي في "قلب حبيبة"، وكان خالد صالح هو المرشح الأول لشخصية وكيل النيابة سليمان بيه عزت في "ريا وسكينة"، لكنه لأسباب صحية لم يلب النداء وذهب فتحي. كان التصوير على الهواء خلال شهر رمضان، دخل البلاتوه في العاشرة مساء وخرج في التاسعة من مساء اليوم التالي. 23 ساعة من التصوير، نام في منتصفها فجأة وهو جالس أمام صلاح عبد الله والكاميرا تدور، تركه المخرج جمال عبد الحميد يكمل راحته، ليستيقظ ناطقا بالجملة التي كانت من المفترض أن يرد بها على "عم صلاح". هذه الحكاية ليست خارج سياق حوارنا، وإنما تؤكد كيف أن ضيف الشرف تغيّر كثيرا من ظهوره العابر إلى المؤثر لأن الممثل لم يعد يأتي إلى البلاتوه مجاملة أو سد خانة. فعلها عبد الوهاب الذي كان ظهوره مفاجئًا لجمهور المسلسل واسع الانتشار في ذلك الوقت، ومن بعدها بات ظهوره لافتا أيا كانت مساحة الدور. على نفس النهج يقول إن ما جذبه في "ثانية واحدة" و"البحث عن علا" هو تقديم شخصية جديدة تنال اهتمام الجمهور، وهو ما يظنه نجح في تنفيذه. أسأله عكسيا، ما الذي يجعل المخرجون يفكرون فيه في أدوار غير متوقعة، مثل طبيب مصاب بداء النسيان في فيلم كوميدي؟ يرد فتحي عبد الوهاب بأنها ربما ميزة قدرية لا دخل له بها، تتلخص في قدرته على أداء أي دور وخصوصا الشخصيات غير المتوقعة، دون أن يشعر متفرج واحد بأن ممثلا آخر كان سيكون أفضل.. ألا تكون أبداmiss cast  هذه نعمة كبيرة.

 

حكاية الشيخ محارب

نرسو الآن على شاطئ "جزيرة غمام"، المكان المتخيل الذي تدور على أرضه أحداثا وقعت قبل 100 عام وأكثر. يرى فتحي عبد الوهاب أن تصنيف العمل يحتاج إلى أن يتابع الجمهور المزيد من الحلقات، فالبعض قد يراه تاريخيا وآخرون قد يعتبرونه فلسفيا وفئة ثالثة قد تعتبره إسقاطا من الماضي على الحاضر.. "ربما يكون تعدد الأوجه أول الأسباب التي شجعتني على القبول بجانب رغبتي في تكرار التعاون مع المخرج حسين المنباوي بعد (لمس أكتاف)، يضاف إلى ذلك بالطبع تفاصيل شخصية الشيخ محارب، الرجل الذي يصدق أنه ممثل الإله على الأرض، ويريد أن تسير كل الأمور كما يرى هو، شخصية عابرة للأزمان، تغري أي ممثل بتقديمها، وحرصت على إطلاق لحيتي وعدم الاستعانة بالمكياج تأكيدًا للتعايش مع محارب، وهو ما يكمل ما تحدثنا فيه قبل قليل حول عدم تقديم شخصيتين في نفس الوقت، وبالفعل اعتذرت عن أعمال أخرى بسبب (لحية) الشيخ محارب".

العمل مجددا مع طارق لطفي جعل الجمهور يعتبره امتدادا للنجاح في "القاهرة كابول". يرفض فتحي عبد الوهاب هذا الاستنتاج، يقول إنه من الصعب تكوين فرقة تمثيل درامية أو سينمائية عكس المسرح، لكن بالتأكيد وجود طارق لطفي شجعه أيضًا على القبول، ومغامرة أحمد أمين في تقديم شخصية تراجيدية يراها منطقية، فالممثل الكوميدي قادر على الأداء الدرامي، عكس التراجيدي الذي قد لا يقبله الجمهور مضحكا. لكن بشكل عام لا يصنف الممثلون أنفسهم ضمن فرق متماسكة فهذا أمر ضد منطق العمل الفني، حتى وإن كان الجمهور يحب أن يرى مجموعة من الفنانين مع بعضهم البعض. ويعد فتحي عبد الوهاب الجمهور بمشاهدة مبارزات تمثيلية مميزة في الحلقات المقبلة من المسلسل.

 

اللعب مع الكبار

بخصوص مباريات التمثيل أسأله وأطلب إجابة بلا تواضع، في "جزيرة غمام" مشاهد عدة مع نجوم كبار كعبد العزيز مخيون ورياض الخولي، هل وصل فتحي عبد الوهاب إلى مستوى من الحرفية تجعل الوقوف أمام الكبار خاليا من الإضافات؟ يرد الشيخ محارب سريعا بأن الاستفادة من الكبار تستمر إلى ما لا نهاية، ويخطئ الممثل إذا ظن أنه وصل لمرحلة تشبع فني وبات ناقلا للخبرة لا مستقبِلا لها، بل يزيد بأنه يستفيد حتى من المواهب الشابة التي دخلت المجال حديثا، حيث تحمل طاقة مختلفة تضيف لمن يريد أن يحافظ على مستواه صاعدا طوال الوقت.

العمل التاريخي له صعوباته بالتأكيد، لكن فتحي عبد الوهاب يرى أن صعوبات أي عمل هي جزء من طبيعته ولا يفضل التعامل معاها باعتبارها عبء غير موجود في مهن أخرى. رغم ذلك يتوقف أمام الأجواء شديدة البرودة التي واجهت فريق العمل خلال أسابيع التصوير في منطقة الزعفرانة، حيث مشاهد الجزيرة صورت في تلك المنطقة التابعة لمحافظة البحر الأحمر. في نفس الفترة التي كان سكان القاهرة يشتكون من البرد القارس، كان الفنانون هناك يصورون بعيدًا عن البلاتوهات المغلقة، قبل العودة مرة أخرى لمدينة الإنتاج الإعلامي حيث المشاهد الداخلية لـ "جزيرة غمام" التي يقودها دينيا الشيخ محارب، لنرى معه ماذا سيحدث للجزيرة وأهلها وما تمثله من إسقاطات حتى الحلقة الأخيرة.

 

 

بطلوع الروح.. درس في براعة الاستهلال


 


نقلا عن مجلة "صباح الخير"

تضع مسلسلات الخمس عشرة حلقة وأقل مؤلفيها أمام اختبار صعب، فالمؤلف مطالب بالدخول في الموضوع مباشرة، والتعريف بالشخصيات وخلفياتها باستخدام علامات وإشارات محدودة وذات دلالة ناصعة في الوقت نفسه، حتى تبدأ الأحداث وتتفاعل الحبكة قبل انتهاء الحلقة الأولى، وإن لم يفعل يفقد الجمهور ارتباطه بالتسلسل الدرامي. وقد تجد أحدهم ينصح الآخر بأن يبدأ المشاهدة من الحلقة الخامسة فما سبق غير مهم. هذا "المطب الدرامي" خرج منه سالمًا محمد هشام عبية مؤلف مسلسل "بطلوع الروح"، مستفيدًا بالقطع من قدرات مخرجة في حجم كاملة أبو ذكري على تحويل الإشارات المكتوبة على الورق إلى علامات مرئية يستمتع المشاهد وهو يربط بينها، استعدادًا للتعايش مع الشخصيات وإدراك المفارقات التي ستجمع بين كل شخصية وأخرى، دون الإحساس بأن فهمه للموقف برمته كان يحتاج لمزيد من التمهيد.


النصف الأول من الحلقة الأولى من المسلسل الذي يجمع منة شلبي وأحمد السعدني ومحمد حاتم، يمكن اعتباره درسًا بليغًا في براعة الاستهلال الدرامي. المشهد الافتتاحي الذي يبدأ في صيف 2014 نرى فيه الزوج "أكرم" يدخن ويشرب الكحوليات وهو يشاهد فيديوهات لمعاناة فئة من المسلمين في مكان ما بالعالم، لنعرف بنعومة أن "أكرم" تخلص لاحقا من الكحوليات والمخدرات عبر استقطابه من أحد المتشددين، لكنه لم يمتلك الشجاعة الكافية لإبلاغ زوجته على مدار ثلاث سنوات، حتى أنه عندما أبلغها فعلا ظنت أنه عاد للمخدرات مرة أخرى. هكذا قدَّم "عبية" أحد الروافد الأساسية لاستقطاب الداعشيين الجدد، التائهين في حياتهم الخاصة، معدومي الشخصية، الذي ربما يشعر أنه لا يستحق زوجته ويريد أن يثبت استحقاقه بالتحول إلى قائد.


مع الانتقال لفبراير 2017 تعمدت كاملة أبو ذكري إطالة مشهد النيل المجاور للفندق الذي تعمل فيه "روح" ليس من أجل القول بأننا في مصر، ولكن لتقديم الدولة المستقرة المعمورة في مقابل الدولة التي سيهرب إليها "أكرم" وكيف أن روح ستجد نفسها رغما عنها في عالم آخر لا فكاك منه إلا "بطلوع الروح". وعلى مستوى الجمل الحوارية عكست جملة مثل "أنا هخطفك أسبوع في تركيا" نية الزوج الحقيقية، فلم يقل لها سنسافر أو نطير أو نستمتع، بل استخدم المؤلف تعبير الخطف هنا ليكشف ما يفكر فيه العقل الباطن للشخصية، ثم جاء ظهور "عمر" أحمد السعدني في "غازي عنتاب" ليكشف أن الموضوع أكبر من استقطاب متشدد لآخر مهتز للانضمام إلى داعش، وإنما شهوة "عمر" تجاه زوجة زميله تظهر من أول لمسة يد في مشهد المطعم وتكرارها مرة أخرى، لتقول لنا إن أزمة "روح" لا تتلخص في استقطاب زوجها، وإنما في أن رجلا كانت تعتبره "الطويل الرخم" في أيام الدراسة، لم يفتأ يفكر بها ويريد امتلاكها بأي ثمن.


سافر الزوجان وطفلهما. انبهرت الزوجة بمدينة "غازي عنتاب" وتجاوزت عن الاختيار المستغرب من زوجها، لكننا نراه يعنف أحدهم لأنه التحم بالطفل الصغير، إشارة أخرى تمهد لنوعية المرض النادر الذي يعاني منه الطفل والذي سيظهر بوضوح في الحلقة الثانية، إذ يجب على الطفل ألا يصاب بأي جرح، والأب يعرف ذلك جيدًا ومع ذلك يذهب به إلى داعش، تناقض يدفعنا لاحقا للحكم على الشخصية بالأنانية، هو يخاف على طفله لكنه لا يوفر الأمان الكافي سعيا وراء شعور مزيف بالأهمية ينقص الأب. المدينة نفسها حوَّلها صناع المسلسل إلى دلالة على الدور التركي في صناعة داعش، والدليل تسهيل دخول المنضمين الجدد إليها. ظهور صديق الأب أيمن عزب كان مهما ليس فقط لدوره لاحقا في استعادة البنت وزوجها، ولكن لأن إقامته في تركيا أعطت مصداقية للصورة التي نقلها للزوجين، سافر 12 ساعة للوصول إليهما في دلالة على كون المدينة حدودية ما يعزز غرابة اختيار الزوج لها، حديثه عن كونها أرض سورية بالأصلي وكيف حوَّلها الأتراك إلى مخلب في جسد الدولة السورية بدعم الدواعش، وتاليا كيف استغل سكان المدينة في بيزنس استعادة المخطوفين.


قبل مشهد المواجهة بين روح وأكرم الذي أكمل تاريخ الجفاء العاطفي بينهما، كان هناك مشهد ذا دلالة خاصة حيث حدوتة قبل النوم من الأم لطفلها، والتي تم اختيارها بعناية أيضًا. نسمع روح تروي لسيف كيف انتصر سوبرمان على الأشرار وطردهم من المدينة، فيما هي بعد قليل ستجد نفسها في مكان مليء بأسوأ أنواع الأشرار، فيما تعبر عن نقطة ضعفها الوحيدة بأن تظهر اسم سيف قبل أكرم وهي تطلب من والدها الدعاء، تمهيدا لخضوعها التام لما سيمليه عليها زوجها المختفي في اتصال شهد ذكر أول اسم أجنبي في الحلقة، السائق "سويدن"، ليكون الباب الذي يقدم منه صناع المسلسل دولة داعش متعددة الجنسيات والهويات، هؤلاء الذي لم يجمعهم سواء الطموح الكاذب بالحاجة للتميز والاستقلالية حتى ولو دمروا دولا وأزهقوا أرواحًا وظلموا سيدة مثل "روح"، وجدت نفسها أسيرة بحثا عن ابنها، في مهمة لن تنتهي على خير إلا "بطلوع الروح".

مين قال.. لن أعيش في "هندسة" أبي




 

نقلا عن مجلة "صباح الخير"


قضت منصات البث التدفقي على تعبير "العرض الثاني"، فبعد العرض الأول لأي مسلسل تظل الحلقات متاحة لمن يريد مشاهدتها في أي وقت، بالتالي سنحتاج إلى تعبير آخر بديل لمن يشاهد مسلسلا عبر منصة رقمية بعد عرضه لأول مرة، وحتى نصل لهذا التعبير أتوقف عند الفارق الأساسي بين المشاهدة الأولى وما تلاها، حيث لم يعد المتابع يستطيع عزل نفسه عن الأراء التي تداولها الناس عبر السوشيال ميديا حول هذا العمل أو ذاك، بالتالي المهمة ستكون مركبة؛ المشاهدة من جهة والبحث عن الأسباب التي أدت لحالة الإعجاب أو الانتقاد من جهة أخرى.

بدأت المشاهدة المتأخرة لمسلسل "مين قال" باحثا عن إجابة سؤال لم يكن ليفرض نفسه لو كنت تابعت المسلسل بتركيز في عرضه الأول، وهو هل استحق العمل فعلا هذا السيل من الإعجاب، والأهم لماذا نال إعجاب الناس لو قررنا البحث عن الأسباب الفنية، وبالتالي ما علاقة مسلسل الحاج عبد الغفور البرعي الذي تناص عنوان المقال مع اسم مسلسله الشهير.

في رائعة مصطفي محرم وأحمد توفيق لم يكن العنوان معبرا عن القصة الحقيقية للمسلسل، لكنه تحول بالتأكيد لمثل ينطبق على أي شاب لا يريد تكرار تجربة والده. البطل الرئيسي للأحداث كان عبد الغفور نفسه، وشخصية عبد الوهاب جاءت في الترتيب الثاني مع شخصيات عدة تقاسمت المساحة الدرامية المتاحة لقصة صعود تاجر وكالة البلح، قصة عبد الوهاب تتكرر مع شريف بطل مسلسل "مين قال" الذي يرفض الانصياع لرأي والده والالتحاق بكلية الهندسة.

المشهد الأول يبدأ بظهور نتيجة الثانوية العامة، ليكون أول تفسيرات قبول الجمهور للمسلسل وهو أن البطل الرئيسي الذي تدور حوله الدراما شاب في بداية مشواره الجامعي. لا أتذكر متى آخر مرة حصلت شخصية درامية في هذا السن على بطولة مطلقة، لكن "مين قال" حققها وحدد سريعا جمهوره، ووصل إليه بالسبب الثاني الذي فسرت من خلاله نجاح الحلقات وهو اللغة التي تحسب لمريم نعوم ومجدي أمين وباقي أعضاء ورشة سرد. المسلسل قدم مفرداته وجمله الحوارية من القاموس الذي يناسب الجمهور المستهدف، بشكل ينم عن دراسة وافية للغة وأفكار وحالة هذه الفئة من الشباب، وهو ما تكامل مع الانتقاء المميز خصوصا للشباب السبعة وهو ما يحسب للكاستينج دايركتور محمد شاهين. وتبقى الإدارة الإخراجية للشباب وأسرهم بمثابة تأكيد على أن المخرجة نادين خان قادرة على تقديم دراما اجتماعية مناسبة لفئات أوسع من الجمهور، حتى وإن كانت أفلامها حتى الآن تتسم بالنخبوية.

يضاف إلى ما سبق تناول العمل للتفكك الأسري وتأثيره على الجيل الصاعد من زاوية هذا الجيل، أي عدم الاكتفاء برسم شخصية البطل وحلمه الصغير وأن تدور كل الأحداث حوله، وإنما البراعة في تمايز الحالات الأسرية التي ينتمي إليها الشباب السبعة، والمستوحاة بقوة من واقع لا ينكره أحد، وبأسلوب ناعم يبتعد عن المباشرة، لتصل الرسالة المستهدفة دون صراخ وصخب وادعاء، لننظر مثلا كيف قدم العمل الشخصية المسيحية دون الحاجة للجز على الأسنان والطنطنة بأهمية الوحدة الوطنية.

فنيا لم أشعر أن لهجة جمال سليمان تعطلني عن متابعة الحوار، لكنها عدوى الملاحظات المكررة التي يصدرها لنا التايم لاين، فيما وجود نادين على الشاشة يحقق حالة من الراحة ربما لن يعرف سرها إلا من تابعها منذ مرحلة "جيران الهنا". الشباب الستة مميزون كلٌ في شخصيته، غير أن "أكرم" أو يوسف جبريل ينتظره مستقبل واعد، بينما رهاني على أحمد داش منذ "لا مؤاخذة" لم يخب قط وأتمنى ألا يحدث، فنحن أمام نجم قادم بقوة، يصلح للعالمية إن قرر، والأهم أنه يصلح لتجسيد وجوه كل أبناء جيله من كل الطبقات على الشاشة إذا توفرت له شخصيات مكتوبة بحرفية كما شريف المتمرد على كلية الهندسة في "مين قال".  

الثلاثاء، 16 فبراير 2021

النداء الأخير لرانيا يوسف

نقلا عن مجلة صباح الخير

 

الخلاف حول أزمات رانيا يوسف الإعلامية لا ينفى أنها ممثلة جيدة ولديها جاذبية أمام الكاميرا وجسدت العديد من الشخصيات باقتدار ملحوظ، لكن هل يتذكر الجمهور الآن تلك الشخصيات، هل ينتظر بشغف أعمالها الجديدة، هل يسأل أصلا عن فيلمها المقبل أو مسلسل جاري تصويره، الإجابة هي لا، لسبب بسيط أن رانيا تناقض نفسها وتصمم على أن تعيش وهم الترند لا  مجد الفن، أحدهم على ما يبدو أقنعها بأن الترند المؤقت أهم من البقاء في ذاكرة الناس، أو بمعنى أدق البقاء كممثلة وليس كإمرأة جميلة ومثيرة ، أحيانا ما يُصدم الفنان بأنه يقدم المسلسل تلو الآخر ولا تهتم به الميديا إلا بعد موقف شخصي، تماما كما حدث مع رانيا يوسف في موقعة البطانة الشهيرة، لكن ذلك لا يعني أبدا أن تضحي بما قدمته كممثلة وتتفرع لصياغة سيناريوهات العودة لقائمة الترند ولو مرة واحدة كل أسبوع، تنفي هي ذلك لكن أعمالها تؤكد، تذهب للمهرجانات متعمدة ارتداء ملابس جاذبة للإنتباه، وإن لم تفعل نقلت المهمة لابنتها كما حدث في ختام الجونة، فيديوهات لا حصر لها مليئة بالطبخ والرقص والغناء، ولا شئ عن التمثيل، افلام دون المستوى تقدمها في وقت الفراغ فيما الوقت الرئيسي متروك للترند، ثم فجأة نجدها مع مذيع عراقي تتكلم عن "مؤخرتها" دون أن نفهم لماذا تضطر لهذا الفعل ولماذا تظهر أصلا في برنامج لا يتابعه الجمهور المصري، ستقول أخاطب الجمهور العربي من خلاله، فبئس الرسالة إذن يا رانيا التي تنقليها عن الفن المصري، ما سبق لا يصادر على حريتها وحرية أي فنان في ارتداء ما يريد، لكن في زمن السوشيال ميديا هناك من يحرقون أنفسهم بنار غير مرئية، والنصيحة واجبة لممثلة من المفترض أنها من القليلات اللاتي يعرفن كيف يقفن أمام الكاميرا في هذا الجيل، فلتعد رانيا يوسف إلى ترند صافي سليم عندما كان الكل يتحدث عنها بسبب شخصية حضرت في مسلسل، لا بطانة غابت على السجادة الحمراء.