الجمعة، 6 يونيو 2008

مصر تعلن العصيان (الدرامي) على الخليج!


وأخيراً هبّت رياح العصيان على استديوهات القاهرة، وتنفّس المنتجون الصعداء. سبع فضائيات جديدة أبصرت النور في مصر، فيما الشركات السعودية مشغولة بتعزيز حضورها الخاص. هل أقفل فعلاً ملفّ «الخلجنة» على ضفاف النيل؟
أعلنت محطة «دبي» أنها لم تعد مهتمة بمواصلة إنتاج «المصراوية» لأسامة أنور عكاشة، وmbc لن تكرّر تجربة «الملك فاروق»، أما «الراي»، فلم تعد تكترث لجديد فيفي عبده... كذلك يساند الوليد آل إبراهيمي، رئيس مجلس إدارة مجموعة mbc، نجوم تركيا في الدراما والسينما، رداً على ارتفاع أجور الممثلين المصريين. وذلك على رغم الدخل الإعلاني الضخم الذي تحقّقه هذه الفضائيات من مسلسلات يحيى الفخراني ويسرا ونور الشريف...لكن المنتجين المصريين لا يبدون انزعاجاً. ذلك أن البدائل مطروحة: أوّلاً، قناة تطلق «بانوراما دراما» شاشتها الثانية قريباً، وتتفاوض «الحياة مسلسلات» مع نصف المنتجين المصريين، فيما تبدأ «سينما مصر» بثها التجريبي خلال أيام...أضف إلى ذلك أن تراجع اهتمام الفضائيات العربية بالعرض الحصري للمسلسلات المصرية في شهر رمضان الماضي، مهّد لتدشين مرحلة جديدة في عالم دراما القاهرة.في موسم 2007، كان المسلسل المصري الواحد يعرض على ثلاث قنوات على الأقل. بالتالي، تدفع المحطة مقابلاً مادياً أقل، ويجمع المنتج الربح من ثلاث قنوات بدلاً من واحدة. لكن عوامل أخرى ظهرت هذا العام ستعيد تكوين خريطة دراما رمضان 2008، وتجعلها مختلفة كثيراً عن مواسم الأعوام الماضية.لقد زاد الإنتاج الخليجي بشكل كبير، حتى إن المنتج المعروف حسن عسيري يقدم 15 عملاً دفعة واحدة، علماً أن شركته «الصدف» شاركت السنة الماضية في صناعة «الملك فاروق». وكان عسيري قد استغل قوّته الإنتاجية، وأدلى بدلوه في قضية نقابة الممثلين والفنانين العرب، وهدّد بمقاطعة الدراما المصرية، على رغم أن النزاع كان «مصرياً ـ شامياً» بشكل رئيس. وسرعان ما حضر حسن عسيري إلى مصر مع وفد من جمعية المنتجين السعوديين لإعلان «اتفاق تفاهم»، نصّ على تكريس التعاون بين جمعية المنتجين السعوديين واتحاد النقابات الفنية في مصر. وبعيداً عن أحقيّته بالاعتراض، فإن المنتج والممثل السعودي الشهير أراد أن يوصل رسالة محددة: لا يجوز للدراما المصرية والسورية أن تتنازعا الصدارة، وتتجاهلا اللاعب الثالث (الخليجي) الذي بات مؤثّراً.ذلك أن شركات مثل «الصدف» و«الراي» وغيرهما تنتج كمّاً كبيراً من الأعمال الدرامية استعداداً لخوض المعركة المقبلة. فيما كشف «اتفاق التفاهم» النقاب عن نية الفضائيات الخليجية التخلي عن المسلسلات المصرية وعدم إعطائها الأولوية كما كان يحدث في الأعوام الماضية، عندما كانت «دبي» تحتفي بحنان ترك بطلة «سارة»، ويحيى الفخراني في «عباس الأبيض»، وmbc تستقبل «ريا وسكينة» و«حدائق الشيطان» وغيرها من الأعمال التي كانت تعاني تجاهل التلفزيون المصري الحكومي.إلا أنّ تهديد الخليجيين، لم يعد مخيفاً اليوم، مع تكاثر شاشات درامية مفتوحة من دون تشفير. بالتالي، باتت هناك منافذ تسويق أمام المنتج المصري، تقيه «ذل التفاوض» مع الفضائيات الخليجية. وبعد «الساعة» و«دريم» و“المحور»، يُعدّ رمضان 2008 الاختبار الأول لقنوات «بانوراما دراما الأولى والثانية» و“الحياة مسلسلات» و“أوسكار دراما» و“سينما مصر» وقبلهم «النيل للدراما» التي تنطلق بحلة متطورة. كل ذلك يعني أنّ حوالى سبع قنوات خاصة ستتنافس لإثبات ذاتها في رمضان. وبالتالي، بدأ المنتجون المصريون يتعاملون مع الظاهرة الجديدة بجدية أكبر مما كان يحدث في الأعوام المقبلة، وخصوصاً مع اقتناع إدارة هذه القنوات بأن الدراما ستجذب لهم جمهوراً ومعلنين أكثر بكثير من البرامج، حتى لو كانت الدراما أكثر كلفة. وأبرز مؤشر على ذلك أن «الحياة مسلسلات» حصلت بالفعل على حق عرض مسلسلات «نسيم الروح» و“عدى النهار» و“قلب ميت» قبل ثلاثة أشهر كاملة من هلّ هلال رمضان.هذا التحوّل أسهم في إطلاق تصريحات غاضبة ضدّ السيطرة الخليجية الرافضة لاستمرار المسلسل المصري على القمة اعتماداً على سطوة رأس المال. المنتج المصري إسماعيل كتكت على سبيل المثال أكد غضبه من تجاهل ذكر اسمه كمنتج منفذ رئيسي لمسلسل «الملك فاروق». صحيح أن «أم بي سي» موّلت المشروع، وشركة «الصدف» شاركت في الإنتاج وتولّت مسؤولية التسويق للفضائيات العربية، لكن الثقل الإنتاجي بالكامل داخل مصر كان على عاتق شركة «فرح ميديا» التي يملكها كتكت.أما السيناريست أسامة أنور عكاشة، فقد هاجم كعادته رأس المال الخليجي، رابطاً بين انسحاب العرب من تمويل مسلسلات مصرية جديدة، وما فعلته شركة «روتانا» السعودية من تهميش للمطربين المصريين قبل أن تتفرغ لدعم نجوم الخليج. والأمر برأيه أعمق من مجرد مرحلة يجري فيها «خلجنة الدراما المصرية» والإصرار على تصوير جزء من المسلسلات في الخليج والحصول على حق العرض الحصري. وهم يفعلون ذلك ـ برأيه أيضاً ـ لتقوية الدراما الخليجية والاعتماد على أنفسهم، في وقت يجد فيه المنتج المصري نفسه بلا حماية مادية. بالتالي ـ حسب عكاشة ـ على المنتجين المصريين استيعاب الدرس وتقوية أنفسهم وتقديم دراما مصرية لا تخضع لقانون العرض والطلب. بمعنى أن يقدم المنتج العمل إلى الفضائية الخليجية لتشتريه كما هو، أو ترفضه بالكامل، من دون شروط مسبّقة.وعلى رغم أن معظم العاملين في السوق لا يتبنّون نظرية أسامة أنور عكاشة ويرفضون الهجوم العنيف على نيّات الدراما الخليجية، فإنهم يؤكدون في الوقت نفسه أنّ الدراما المصرية لن تعيش مرحلة حرجة بسبب غياب رأس المال الخليجي، بعد ازدهار الفضائيات المصرية. كما أنّ الوقت ما زال مبكراً للحكم على مدى قدرة الدراما التركية على الصمود أمام المصرية، ومدى استعداد الجمهور العربي لمتابعة «سنوات الضياع» والاستغناء عن «شرف فتح الباب».

محمد عبد الرحمن

جريدة الاخبار اللبنانية

ليست هناك تعليقات: