الخميس، 17 يوليو 2008

ما هو التطبيع ؟


محمد حماقي اعتذر عن عدم الغناء في أريحا، وشركات الإنتاج نفت عنها شبهات التطبيع، فيما لاحقت التهمة مهرجان «الأردن» لأسابيع... لماذا عادت هذه القضية إلى الواجهة؟ وأيُّ دور يؤدّيه «البزنس» وسط كلِّ ذلك؟

واجه مهرجان «الأردن» حملةً شرسة بسبب شبهة التعامل مع شركة إسرائيلية، فيما خرج لينين الرملي من لجنة تحكيم «مهرجان المسرح المصري» بعد اتهامه بالتطبيع، وتراجع محمد حماقي عن الغناء في أريحا... وقبله، تم تحويل عمرو واكد إلى التحقيق بسبب مشاركته الممثل الإسرائيلي يغال ناؤور التمثيل في وثائقي «بين النهرين» عن صدام حسين.
وسط كل ذلك، يبقى السؤال: هل حقاً انتصر أعداء التطبيع في معركتهم؟ أم أن هناك من نجح في تحويل مسار القضية، ليختفي سؤال «كيف نتعامل مع المطبّعين؟» ونعود إلى نقطة الصفر مع «ما هو التطبيع»؟
المتابع للحركة الفنية في مصر أخيراً يلحظ اهتمام الوسطين الفني والصحافي بقضية التطبيع بشكل غير مسبوق، حتى في أكثر الفترات هدوءاً بين العرب وإسرائيل. ربما يعود ذلك في المقام الأول إلى طول فترة الصراع ( 60 عاماً) التي جعلت بعضهم يفقد قدرته على الاستمرار في النضال ضدَّ العدو. من هنا، لم يعد علي سالم حالة استثنائية، بل هناك أصوات أخرى ذهبت أخيراً أبعد مما ذهب إليه سالم، المفصول من اتحاد كتاب مصر بعد رحلته إلى إسرائيل عام 1994: لينين الرملي مثلاً سار على الدرب نفسه. أعلن أخيراً أنه لم يعد هناك مجال للعداء مع تل أبيب، أقله على مستوى الثقافة. وفاجأ الجميع بدعوته الملحق الثقافي في السفارة الإسرائيلية في القاهرة إلى حضور عرض «اخلعوا الأقنعة». أما رد الفعل، فاقتصر على استبعاده من لجنة تحكيم المهرجان القومي للمسرح المصري الذي يختتم اليوم دورته الثالثة. إذ استبدل بفتحية العسال، الكاتبة اليسارية المعادية طبعاً لإسرائيل.
سبب آخر أعاد قضية التطبيع إلى واجهة المشهد الفني والثقافي: قضية وزير الثقافة فاروق حسني، المرشح لمنصب المدير العام لمنظمة التربية والثقافة والعلوم «الأونيسكو» الذي تختاره الدول الأعضاء في العام المقبل. حسني الذي صرّح قبل أشهر بأنه «إذا وجد كتباً إسرائيلية في معرض الكتاب في الإسكندرية فسيحرقها بنفسه»، سرعان ما تراجع عن قراره. فأشار إلى أنّه مستعد لزيارة إسرائيل إذا قررت تفعيل عملية السلام في الشرق الأوسط، مع تكرار عبارات حفظها الناس عن عدم إمكان تجاهل اتفاق السلام مع إسرائيل، على رغم موقف الشعب المصري من ذلك. والقصة لم تنته هنا، ذلك أن الوزير أعطى حواراً أخيراً لصحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، ما أثار ردود فعل مثقّفين مصريّين، عدّوا موقفه في بيان لهم «خضوعاً ذليلاً للابتزاز الإسرائيلي من أجل مصلحة شخصية للوزير».
ما سبق من أسباب يختلف تماماً عمّا هو آت، فعندما يدخل «البزنس» على الخط يتحول «التطبيع» إلى «تزبيط»، كما سخر عادل إمام من المصطلح في فيلم «السفارة في العمارة». الصحيفة اليومية «البديل»، المحسوبة على اليسار، رصدت ظاهرة تطبيع شركات الإنتاج الموسيقية الكبرى مثل «روتانا» و«ميلودي» و«عالم الفن» مع شركات تعمل داخل إسرائيل. الخبر ليس جديداً، مجلّة «روتانا» نفسها نشرت قبل 8 شهور مقالةً، تتهم فيه «ميلودي» بالتعامل مع إسرائيل. على رغم أنّ جميع العاملين في السوق الموسيقية يعرفون أنّ شركات الإنتاج الكبرى اختلفت على كل شيء، واتفقت على عدم إهدار حقوقها داخل إسرائيل.
وأشارت الحملة التي نشرتها «البديل» على مدى خمسة أيام متتالية، أن للشركات الثلاث وكلاء رسميين في إسرائيل مهمتهم حماية إنتاج «روتانا» و«ميلودي» و«عالم الفن» من القرصنة، وأن المستندات تثبت أن التعامل ليس مع عرب 48، بل مع مكاتب المحامين التي تقع في تل أبيب. كما أن توقيعاتهم العقود تكون بالحروف العبرية، حتى لو كانت أسماؤهم عربية في الأغلب. ومضت الجريدة لتؤكد أن الأمير الوليد بن طلال يسعى إلى توسيع استثماراته العقارية والسياحية داخل إسرائيل، وأن الأمر لم يتوقف عند حدود التعاون الفني، فيما نفت شركة المملكة القابضة (التابعة للوليد) ذلك، رداً على تقرير نشرته «إيديعوت أحرونوت». وفي كل الأحوال، تبقى أغاني نجوم «روتانا» و«عالم الفن» و«ميلودي» متاحة بشكل قانوني لشركات المحمول ومواقع الإنترنت الإسرائيلية، ويستفيد منها اليهود والعرب على حد سواء.
كل ما سبق يؤكد أن هناك جهوداً مكثّفة وغير مسبوقة لكسر الجدار العازل بين العرب ـــــ خارج الأرض المحتلة ـــــ وإسرائيل، وأن أصحاب تلك الحملة استفادوا من كل التجارب السابقة، بعد دحر المطبّعين الأوائل. وأصبح الأهم بالنسبة إليهم نسف مفهوم «التطبيع» نفسه والعمل على إزالته من أذهان الأجيال الجديدة التي لم تشهد أي حرب، وقد أبصرت النور بعد توقيع اتفاقية السلام.


محمد عبد الرحمن


جريدة الأخبار اللبنانية

ليست هناك تعليقات: