الأربعاء، 7 أكتوبر 2020

رسالة " المعضلة الإجتماعية" : خافوا وإحذروا !

 

وشهد شاهد من وادي السيليكون

 

رسالة " المعضلة الإجتماعية" : خافوا وإحذروا !

 

نقلا عن مجلة صباح الخير

مظلومة الأفلام الوثائقية خصوصا في عالمنا العربي، الجيد منها والمصنوع باحترافية يمكنه إحداث تغيير حقيقي على الأرض أو على الأقل الالقاء بحجر كبير في الماء الراكد، لكننا مازالنا نتعامل مع الوثائقي عربيا على أنه الفيلم الذي يحكي قصص من رحلوا بصوت رخيم ولقطات من الأرشيف، غربيا الوضع تطور كثيرا، وباتت الأفلام الوثائقية لا تقل أهمية عن الروائية الطويلة بل وتنافس على جوائز الأوسكار، لكن فيلم "المعضلة الإجتماعية" الذي تحول إلى "ترند" منذ عرضه لأول مرة قبل عدة أسابيع ذهب بمضامين الأفلام الوثائقية لإتجاه آخر، فنحن أمام فيلم يحذر بعنف من ظاهرة مواقع التواصل الإجتماعي، ويؤكد أن البشر كلهم يقفون أمام "معضلة" تحتاج إلى حل فوري لكن كل الحلول لاتزال حتى الآن مستحيلة التحقيق.


 

المعضلة الإجتماعية أو social dilemma، فيلم للمخرج جيف اورلوفسكي، معروض عبر منصة نتفلكس، ولا أذيع سرا إذا قلت أنه متاح عبر منصات التحميل المجانية التي تسرق الأفلام من المنتجين الأصليين، مدته 100 دقيقة تقريبا، ويتستضيف مجموعة كبيرة من المديرين السابقين  لأكبر منصات التواصل الإجتماعي في وادي السيليكون بأمريكا، مثل فيس بوك وتويتر ويوتيوب ومحرك البحث جوجل، ومنصات أخرى لم تنتشر مصريا بعد مثل بنتريست وغيرها، يقدم هؤلاء المديرين أنفسهم باعتبارهم شهودا وليسوا شركاء في الجريمة التي يقولون أنها لم تكن متعمدة، جريمة اخضاع الناس حول العالم لتلك المواقع وتحويلهم إلى مدمنين وسلع يحصل المؤسسون لتلك الشركاء على أرباحا بالمليارات من ورائهم .

 

بيان رسمي

الفيلم الذي أثار ضجة كبرى لدرجة أن فيس بوك أصدر بيانا رسميا للرد عليه واتهم صناعه بتعمد تجاهل جهود كل المنصات للحفاظ على خصوصية المستخدمين، هذا الفيلم لم يأت بجديد لا يعرفه المستهلك العادي الذي بدأ يلاحظ فعلا أنه مراقب وأن ما يفكر فيه يظهر على الشاشة أمامه ليجعله مرتبطا بالمنصة لأطول مدة ممكنة، لكن المهم الذي طرحه الفيلم هو كيف يحدث هذا وكيف تعمل خوازميات تلك المواقع من أجل الابقاء على المستخدمين لأطول مدة ممكنة على الشاشة، وحسنا فعل جيف اورلوفسكي عندما لجأ إلى طريقة "الديكيو دراما" في المسار الذي نرى فيه المستخدم وهو يسقط تدريجيا في بئر الخوازميات، واستعان بممثل من ثلاث نسخ وكأنهم الخوازميات لنراهم وهم يتابعون المستخدم في كل مكان ويحددون الأولويات التي يجب أن يراها بل عندما دخل المستخدم في رهان مع والدته أن يترك جهازه المحمول لمدة أسبوع مقابل شراء شاشة جديدة، ظلوا وراءه يرسلون الإشعارات حتى نجحوا في اخضاعه قبل مرور اليوم الرابع.



في المشهد السابق تحديدا لاحظت أن الشاب ترك المحمول مفتوحا في مكان بعيد عنه لكن صوت الإشعارات وصل له، وكأنها رسالة غير مباشرة إلى أن الخلاص من إدمان تلك المنصات لن يأتي إلا باغلاق الجهاز نفسه وليس فقط الإبتعاد عنه، غير أنه في الواقع لم يقدم الفيلم حلولا عملية من أجل ذلك، وهو ما انتقدته صحف أوروبية واسترالية في تقاريرها حول الفيلم، الذي استضاف مثلا جارون لانيير مؤلف كتاب "10 أسباب لحذف حساباتك الاجتماعية" لكننا لم نعرف حجم التأثير الذي حققه هذا الكتاب ومدى من اقتنعوا بذلك، وحسب التقارير بأن كثيرين ممن شاهدوا الفيلم قرروا فعلا تقليل عدد ساعات الاستهلاك لكن لازال الوقت مبكرا لمعرفة إلى أي مدى سيصمدون .

أمر غير مسبوق


معضلة فعلا، خصوصا عندما نسمع أحد الخبراء في الفيلم وهو يقول للمشاهدين "كل اجراء تتخذونه يراقب ويسجل بدقة ، الصورة التي تقفون وتنظرون اليها بالضبط ومدة رؤيتكم إياها

أجل، مدة رؤيتكم إياها حقًا "، ويكمل آخر " ‏ ‏يعرفون ‏‏حين يشعر المرء بالوحدة أو الإكتئاب

، يعرفون حين يشاهد الناس صور احبابهم السابقين، يعرفون ما يفعله المرء في الليل وكل شئ

، سواء كنتم انطوائيين او منفتحين، ونوع اضطرابكم العصبي وشخصيتكم ، لديهم معلومات عنا اكثر ، مما كان يُتصور في التاريخ البشري، هذا امر غير مسبوق"

 

يضعنا الفيلم أمام حقائق غابت في سنوات الإنبهار الأولى بتلك المنصات ودورها في تحريك أمور كثيرة راكدة في حياتنا العامة، خصوصا السياسية منها، منها مثلا أن شركات التواصل الإجتماعي تطلق على المستهلك وصف user  وهذا الوصف لا يطلق في أي تجارة آخرى إلى المخدرات، أي أن مدمن الهيروين ومدمن الفيس بوك يشتركان في حمل الوصف نفسه، كذلك فإنه يذكرنا بأن لا شئ مجاني في هذه الحياة، وأنه إذا سمح للناس باستخدام أي شئ بدون مقابل فإنهم في هذه الحالة هم السلعة التي تبيعها تلك المواقع للمعلنين فتدخل الأموال في جيوب مارك زوكربج وجاك دروسي وغيرهم، فيما يدخل الإضطراب والإكتئاب والإنفصام في عقول المستخدمين .

"المعضلة الإجتماعية" جاء ليؤكد أن  مشكلة مواقع التواصل الإجتماعي ليست مصرية أو عربية فقط، وإنما ارتد السحر على الساحر وتعاني منها المجتمعات التي خرجت منها تلك المنصات، وحتى يصل البشر إلى حل مثالي للاستخدام تلك المنصات مع تفادي تأثيراتها المدمرة، تبق رسالة الفيلم قائمة، خافوا وإحذروا .


ليست هناك تعليقات: