الاثنين، 27 يونيو 2022

مين قال.. لن أعيش في "هندسة" أبي




 

نقلا عن مجلة "صباح الخير"


قضت منصات البث التدفقي على تعبير "العرض الثاني"، فبعد العرض الأول لأي مسلسل تظل الحلقات متاحة لمن يريد مشاهدتها في أي وقت، بالتالي سنحتاج إلى تعبير آخر بديل لمن يشاهد مسلسلا عبر منصة رقمية بعد عرضه لأول مرة، وحتى نصل لهذا التعبير أتوقف عند الفارق الأساسي بين المشاهدة الأولى وما تلاها، حيث لم يعد المتابع يستطيع عزل نفسه عن الأراء التي تداولها الناس عبر السوشيال ميديا حول هذا العمل أو ذاك، بالتالي المهمة ستكون مركبة؛ المشاهدة من جهة والبحث عن الأسباب التي أدت لحالة الإعجاب أو الانتقاد من جهة أخرى.

بدأت المشاهدة المتأخرة لمسلسل "مين قال" باحثا عن إجابة سؤال لم يكن ليفرض نفسه لو كنت تابعت المسلسل بتركيز في عرضه الأول، وهو هل استحق العمل فعلا هذا السيل من الإعجاب، والأهم لماذا نال إعجاب الناس لو قررنا البحث عن الأسباب الفنية، وبالتالي ما علاقة مسلسل الحاج عبد الغفور البرعي الذي تناص عنوان المقال مع اسم مسلسله الشهير.

في رائعة مصطفي محرم وأحمد توفيق لم يكن العنوان معبرا عن القصة الحقيقية للمسلسل، لكنه تحول بالتأكيد لمثل ينطبق على أي شاب لا يريد تكرار تجربة والده. البطل الرئيسي للأحداث كان عبد الغفور نفسه، وشخصية عبد الوهاب جاءت في الترتيب الثاني مع شخصيات عدة تقاسمت المساحة الدرامية المتاحة لقصة صعود تاجر وكالة البلح، قصة عبد الوهاب تتكرر مع شريف بطل مسلسل "مين قال" الذي يرفض الانصياع لرأي والده والالتحاق بكلية الهندسة.

المشهد الأول يبدأ بظهور نتيجة الثانوية العامة، ليكون أول تفسيرات قبول الجمهور للمسلسل وهو أن البطل الرئيسي الذي تدور حوله الدراما شاب في بداية مشواره الجامعي. لا أتذكر متى آخر مرة حصلت شخصية درامية في هذا السن على بطولة مطلقة، لكن "مين قال" حققها وحدد سريعا جمهوره، ووصل إليه بالسبب الثاني الذي فسرت من خلاله نجاح الحلقات وهو اللغة التي تحسب لمريم نعوم ومجدي أمين وباقي أعضاء ورشة سرد. المسلسل قدم مفرداته وجمله الحوارية من القاموس الذي يناسب الجمهور المستهدف، بشكل ينم عن دراسة وافية للغة وأفكار وحالة هذه الفئة من الشباب، وهو ما تكامل مع الانتقاء المميز خصوصا للشباب السبعة وهو ما يحسب للكاستينج دايركتور محمد شاهين. وتبقى الإدارة الإخراجية للشباب وأسرهم بمثابة تأكيد على أن المخرجة نادين خان قادرة على تقديم دراما اجتماعية مناسبة لفئات أوسع من الجمهور، حتى وإن كانت أفلامها حتى الآن تتسم بالنخبوية.

يضاف إلى ما سبق تناول العمل للتفكك الأسري وتأثيره على الجيل الصاعد من زاوية هذا الجيل، أي عدم الاكتفاء برسم شخصية البطل وحلمه الصغير وأن تدور كل الأحداث حوله، وإنما البراعة في تمايز الحالات الأسرية التي ينتمي إليها الشباب السبعة، والمستوحاة بقوة من واقع لا ينكره أحد، وبأسلوب ناعم يبتعد عن المباشرة، لتصل الرسالة المستهدفة دون صراخ وصخب وادعاء، لننظر مثلا كيف قدم العمل الشخصية المسيحية دون الحاجة للجز على الأسنان والطنطنة بأهمية الوحدة الوطنية.

فنيا لم أشعر أن لهجة جمال سليمان تعطلني عن متابعة الحوار، لكنها عدوى الملاحظات المكررة التي يصدرها لنا التايم لاين، فيما وجود نادين على الشاشة يحقق حالة من الراحة ربما لن يعرف سرها إلا من تابعها منذ مرحلة "جيران الهنا". الشباب الستة مميزون كلٌ في شخصيته، غير أن "أكرم" أو يوسف جبريل ينتظره مستقبل واعد، بينما رهاني على أحمد داش منذ "لا مؤاخذة" لم يخب قط وأتمنى ألا يحدث، فنحن أمام نجم قادم بقوة، يصلح للعالمية إن قرر، والأهم أنه يصلح لتجسيد وجوه كل أبناء جيله من كل الطبقات على الشاشة إذا توفرت له شخصيات مكتوبة بحرفية كما شريف المتمرد على كلية الهندسة في "مين قال".  

ليست هناك تعليقات: